الحِكَم الشِعريّة

برع العرب منذ غابر الأزمان في صياغة الشِّعر؛ حيثُ كانوا يتبارون في نظم الأشعار في كافة شؤون حياتهم، ويضمنونها حِكماً من خلاصة تجاربهم الحياتيّة القاسية، ويتناقلوها فيما بينهم، حتى وصلت إلينا بكل ثرائها سواء في المضمون أو المعنى، وفي هذا المقال بعض من الحكم الشعرية التي شملت مجموعة من المواضيع.


حِكم شعريّة عن الجود والكرم

اشتُهر العرب على مرّ العصور في شتّى بلاد العالم بجودهم وكرمهم، وتجلّت هذه الصِّفات النبيلة في أفعالهم، وأشعارهم، والتي يُذكر منها:

  • قال بشّار بن بُرد:


إِنّ الكريمَ ليُخفي عنكَ عسرتهُ حتى تَراهُ غنيا وهو مَجْهودُ وللبخيلِ على أموالهِ عِللٌ زرقُ العيونِ عليها أوجهٌ سودُ إِذا تكرمتَ أن تعطي القليلَ ولم تقدرْ على سعةٍ لم يظهرِ الجودُ أبرقْ بخيرٍ تُرجَّى للنوال فما تُرْجى الثما رُ إِذا لم يورقِ العودُ بثَّ النوالَ ولا تمنعْكَ قلتُهُ فكل ما سدَّ فقراً فهو محمودُ



  • قال عليّ بن أبي طالب - رضي اللّه عنه - :


إِذا جادتِ الدنيا عليكَ فجُدْ بها على الناسِ طرا إِنها تَتَقَلَّبُ فلا الجودُ يفنيها إِذا هي أقبلتْ ولا البخلُ يُبْقيها إِذا هي تَذْهَبُ



  • وقال يزيد بن الحكم:


رأيْتُ سخيَّ النفسِ يأتيهِ رِزقهُ هنيئا ولا يُعطى على الحرصِ جاشعُ وكلُّ حريصٍ لن يجاوزَ رزقه وكم من موَّفى رزقـهُ وهو وادعُ



  • أمّا المتنبي فقد قال:


إِذا الجودُ لم يرزقْ خلاصا من الأذى فلا الحمدُ مكسوبا ولا المالُ باقيا وللنفسِ أَخلاقٌ تدلُّ على الفتى أكانَ سخاءً ما أتى أم تساخيا



  • وقال ابن خاتمة الأندلسي:


إِذا جدتَ فجدْ للناسِ قاطبة فالحالُ ويبقى الذكرُ أحوالا لا سيما ورسولُ الله ضامنهُ أنفقْ ولا تخشَ من ذي العَرْشِ إِقلالا



حِكم شِعريّة عن الشجاعة

اشتهرالعرب بالشجاعة والفروسيّة، ووصفوا بسالتهم شِعراً، فقالوا:

  • قال الحطيئة:


إذا خافَكَ القومُ اللِّئامُ وَجَدْتَهُمْ سِراعًا إلى ما تشتهي وتريدُ فلا تَخْشَهُمْ، واخشُنْ عليهم، فإنهم إذا أمِنوا منك الصِّيَالَ أُسُودُ



  • وقال عنترة بن شدّاد:


أَثْنِي عَلَيَّ بِمَا عَلِمْتِ فإِنَّنِي سَمْحٌ مُخالطتي إِذَا لم أُظْلَمِ وإِذَا ظُلِمْتُ فإِنَّ ظُلْمِي بَاسِل مُرٌّ مَذَاقَتُهُ كَطَعمِ العَلْقَمِ



  • وقال أيضاً:


إِذَا كَشَفَ الزَّمَانُ لَكَ الْقِنَاعَا وَمَدَّ إِلَيْكَ صَرْفُ الدَّهْرِ بَاعَا فَلَا تَخْشَ الْمَنِيَّةَ وَالْقَيَنْهَا وَدَافِعْ مَا اسْتَطَعْتَ لَهَا دِفَاعَ وَلَا تَخْتَرْ فِرَاشًا مِنْ حَرِيرٍ وَلا تَبْكِ الْمَنَازِلَ وَالْبِقَاعَا



  • أمّا المتنبّي فقال:


يَرى الجُبَناءُ أَنَّ العَجزَ عَقلٌ وَتِلكَ خَديعَةُ الطَبعِ اللَئيمِ وَكُلُّ شَجاعَةٍ في المَرءِ تُغني وَلا مِثلَ الشَجاعَةِ في الحَكيمِ



  • وقال أيضاً:


وَمِن شَرَفِ الإِقدامِ أَنَّكَ فيهِمِ عَلى القَتلِ موموق كَأَنَّكَ شاكد وَأَنَّ دَماً أَجرَيتَهُ بِكَ فاخِـرٌ وَأَنَّ فُؤاداً رُعتَهُ لَكَ حامِدُ وَكُلٌّ يَرى طُرقَ الشَجاعَةِ وَالنَدى وَلَكِنَّ طَبعَ النَفسِ لِلنَفسِ قائِدُ



  • وقال في قصيدةٍ أُخرى:


الرَأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُجعانِ هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ المَحَلُّ الثاني فَإِذا هُما اِجتَمَعا لِنَفسٍ مِرَّةٍ بَلَغَت مِنَ العَلياءِ كُلَّ مَكانِ



  • من أقوال ابن الرومي في الشجاعة:


ولستُ مُقارعاً جيشاً ولكن برأيي يستضيء ذوو القِراعِ وإني للقويُّ على المعالي وما أنا بالقويِّ على الصِّراعِ



  • أمّا السموأل فقد تغنى في الشجاعة قائلاً:


إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ وَإِن هُوَ لَم يَحمِل عَلى النَفسِ ضَيمَها فَلَيسَ إِلى حُسنِ الثَناءِ سَبيلُ تُعَيِّرُنا أَنّا قَليـلٌ عَديدُنا فَقُلتُ لَها إِنَّ الكِرامَ قَليـلُ وَما قَلَّ مَن كانَت بَقـاياهُ مِثلَنا شَبابٌ تَسامى لِلعُلى وَكُهولُ وَما ضَرَّنا أَنّا قَليلٌ وَجارُنا عَزيزٌ وَجارُ الأَكثَرينَ ذَليلُ



حِكم شِعريّة عن الأخلاق

عثرف عن العرب تميّزهم بمكارِم الأخلاق، وتجسّد هذا الأمر جليّاً في أشعارهم، والتي يُذكر منها:

  • قال أبو الأسود الدؤلّي:


لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُ عارٌ عَلَيكَ إِذا فَعَلتَ عَظيمُ ابدأ بِنَفسِكَ وَانَها عَن غِيّها فَإِذا انتَهَت عَنهُ فَأَنتَ حَكيمُ فَهُناكَ يُقبَل ما وَعَظتَ وَيُقتَدى بِالعِلمِ مِنكَ وَيَنفَعُ التَعليـمُ



  • ومن نفائس الإمام الشافعي في الأخلاق قوله:


الناس بالناس مادام الحياء بهـم  والسعد لاشك تارات وهبات وأفضل الناس مابين الورى رجل  تقضى علي يده للناس حاجات لاتمنعن يد المعروف عن أحـد  مادمت مقتدرا فالسعد تارات واشكر فضائل صنع الله إذ جعلت إليك لا لك عند الناس حاجات قد مات قوم وما ماتت مكارمهم  وعاش قوم وهم في الناس أموات



  • وقال أيضاً:


إذا رمتَ أن تحيا سليماً منَ الرَّدى وَدِيُنكَ مَوفُورٌ وَعِرْضُكَ صَيِّنُ فَلاَ يَنْطقنْ مِنْكَ اللسَانُ بِسوأة  فَكلُّكَ سَوءاتٌ وَلِلنَّاسِ أعْينُ وَعَاشِرْ بمَعْرُوفٍ، وَسَامِحْ مَنِ اعتَدَى  ودافعُ ولكن بالتي هي أحسنُ



  • أمّا السموأل فقال فيها:


إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميـلُ وَإِن هُوَ لَم يَحمِل عَلى النَفسِ ضَيمَها  فَلَيسَ إِلى حُسنِ الثَناءِ سَبيلُ



  • وقال عليّ بن أبي طالب - رضي اللّه عنه -:

صُنِ النَفسَ وَاِحمِلها عَلى ما يزيِنُها  

تَعِش سالِما وَالقَـولُ فيكَ جَميلُ

وَلا تُرِيـنَّ الناسَ إِلّا تَجَمُّلا 

نَبا بِـكَ دَهرٌ أَو جَفاكَ خَليلُ

وَإِن ضاقَ رِزقُ اليَومِ فَاِصبِر إِلى غَد 

عَسى نَكَباتِ الدَهرِ عَنكَ تَزولُ

يَعِزُّ غَنِيُّ النَفسِ إِن قَلَّ مالُهُ 

ويَغنى غَنِيُّ المالِ وَهوَ ذَليلُ

وَلا خَيـرَ في وِدِّ اِمرِئٍ مُتَلَّون 

إِذا الريحُ مالَت مالَ حَيثُ تَميلُ


حِكم شِعريّة عن الصَّبر

عاش العرب قديماً في الخيام الموجودة في عُمق الصّحراء، تجلدهم شمسها الحارقة، ويلسعهم برد ليلها القارس، فكان الصّبرعنوانهم، وموضوع الكثير من القصائِد والحِكم التي نذكر منها:

  • قال الخليفة عليّ بن أبي طالب - رضي اللّه عنه -:


فإِن تسألني كيف أنتَ فإِنني صَبُورٌ على رَيْبِ الزمانِ صَعيبُ حريصٌ على أن لا يُرى بي كآبة فيشمتَ عـادٍ أو يساءَ حبيبُ اصبرْ قليلاً فبعـد العُسْرِ تيسيرُ وكُلُّ أمرٍ له وَقْـتٌ وتدبـيرُ وللميمنِ في حالاتِنا نظرٌ وفـوقَ تقديرِنا للهِ تقـديرُ



  • أمّا أبو العلاء المعرّي فقد تغنّى بالصّبر قائلاً:

أحسـنُ بالواجدِ مــن وجدِه 

صبرٌ يعيدُ النارَ في زندِهِ

الصبرُ يوجدُ، إِن باءٌ له كسْرت   

لكنه، بسُكونِ الباءِ مفقودُ

ويحمَدُ الصابر الموفي على غرض 

لاعاجزٌ، بعرى التقصيرِ معقودُ


  • وقال أبو فِراس الحمداني:


أنفقْ من الصّبرِ الجميلِ فإِنه لم يخشَ فقرا منفقٌ من صبرِهِ واحلمْ وإِن سَفِهَ الجليسُ وقل له حسنَ المقال وإِن أتاكَ بهجرِهِ والمرُ ليس ببالغٍ في أرضهِ كالصّقر ليس بصلئدٍ في وكرِهِ



  • أمّا ابن الدّهان الموصلي فقال عنه:


وما يبلغُ الإِنسانُ فوقَ اجتهادهِ  إِذا هو لم يمـلكْ لما جاء مَدْفعا صبرا لما تحدثُ الأيامُ من حَدَثٍ فالدهرُ في جورِه جارٍ على سننِ فالصبر أجملُ ثوبٍ أنتَ لابسُه لنازلٍ والتـــعزي أحسنُ السننِ وهون الوجدَ إِني لا أرى أحدا بفرقة الإِلفِ يوماً غير ممتحنِ



  • ومن أبيات الشريف المرتضى في الصّبر:


إِذا لم تستطعْ للرزءِ دَفْعا فصبرا للرزيةِ واحتسابا فما نالَ المنى في العيشِ إِلا غبيَّ القوم أو فَطـنٌ تغابى هي الدنيا نغَرُّ بها خدوعا  ونورَدُها علـى ظمأٍ سرابا وهل أحياؤنا إِلا تـرابٌ بظهرِ الأرضِ ينتظرُ الترابا



  • وحين تحدّث أُسامة بن مُنقذعن الصّبر قال:


اصبرْ إِذا نابَ خطبٌ وانتظرْ فرجا  يأتي به اللهُ بعد الريثِ والياسِ إِن اصطبارَ ابنة العنقودِ إِذا حبستْ  في ظلمةِ الغارِ أداها إِلى الكاسِ



  • وقال مرّة:


اصبرْ على ما كرهْتَ تحظَ بما تهوى، فما جازعٌ بمعذورِ إِنّ اصطبارَ الجنينِ في ظلمِ الأح شاءِ أفضى به إِلى النُّـور اصبرْ تنلْ ما ترتجيه، وتفضلُ من جاركَ شأوَ العُلا سَبْقا وتبْريزا فالتبرُ أحرقَ بالنيرانِ مصطـبرا على لظاها، إِلى أن عاد إِبريزا



  • وكان من أبيات الشيخ السابوري:


من يعتصمْ بالصبرِ عند الحادثِ فالحبلُ في يديه غيرُ ناكثِ إِذا أتــــى ما لا يطـــيقُ دفــــعَهُ  فالصبرُ أولى ما اقتنْيتَ نفعهُ حلولُ ما حَلَّ مـــن البلاءِ  كالضيفِ يوماً حَلَّ في الفناءِ فاصبرْ لضيفٍ بك يوماً نَزَلا  لا يلبثُ النازلُ أن يرتحلا