الشهيد

سَخّر الشهيد حياته لخِدمة وَطَنِه وأهدافَهُ النّبيلة، ومات في سبيل تحقيقها رغم حرصه كما الآخرون على الحياة، هو إنسان في محيّاه يجد الناظر ابتسامة الرضا، وعلى جبينه تاج فخار، وفي تسبيلة عينيه ينعكس سمو نفسه، فللشهيد هيبة لا تساويها هيبة، وفيه ولأجله كُتبت عبارات هذه المقالة.


عبارات في رثاء الشهيد

بعد ارتقاء الشّهيد تتعالى زغاريد الأمّهات والأخوات حُزناً على الفراق، وفخراً بشجاعة شهيدهم ورحيلهِ المُشرّف، في تِلك اللحظة تَتَزاحم الكلِمات التي تُمجّد الراحل وشجاعته ومآثِره، وتُعبّر عن الخسارة الكبيرة برحيله، فيكون رِثاءُ الشَّهيد شِعراً ونثراً كما في العبارات الآتية:



يا له من نهار مشرق عندما أعلنت شهادتك في سبيل الوطن، فقد رخّصت الروح للذود عن الأرض، والدين، والمقدّسات، وعلّمت الرجال معنى الدفاع عن الوطن، ولو كان كلّ الرجال مثلك لما تجرأ أحد على الاقتراب من أرضنا، وعرضنا، فنم قرير العين يا بطل.




نعلم ما كان في روحك من حبّ للحياة، وإقبال عليها، لكنّنا نعلم أنّ حبّك للوطن كان أكبر من ذلك بكثير، فهنيئاً لك الفردوس الأعلى بإذن ربّك يا شهيد.




لقد فضّلك الله تعالى ورفع من شأنك عندما اختارك لتنال شرف الشهادة، وتخلد في جنات الفردوس، وتنير الطريق للأجيال القادمة كي يعيشوا حياة حرّة كريمة مقتدين بك، فهنيئًا لكم يا أهل الشهيد على هذه المكرمة الإلهية، والفخار.




لم تكن يا عمر المختار البطل الوحيد الذي أنجبته هذه الصحارى العظيمة، فترابها شاهد على التضحيات الكثيرة التي قدمها أبناؤها حين روّوا بدمائهم هذه الأرض فأنبتت حضارات عظيمة، وفتوحات واسعة خلّدها التاريخ وفخر بها.




أيُّها الموت أين ذهبت؟ فكأنَّ الأرض أصبحت كشُعلةِ اللّهب التي صَدَحت تشتعِلُ مِن صرخاتِ أفواه المقاتلين، وفي النِّهاية سَقَطَ الحِصنُ بين يَديّ البَطل، وعَلت الرّاياتُ خفّاقةً فوقه تَسُرُّ النّاظِرين، سَكَت البطل سكوته الأخير بطيف ابتسامةٍ علت وجهه لتبقى محفورةً عليه إلى الأبد، وفي عينيه نَظرةَ الفخر بالنّصر، نظرة رضا أخيرة ليُغمضهما بِسلامٍ إلى الأبد.




هو شهيد أتته بيدِ الغَدر من الخلف صارِخةً مُفاخرة بِقتل البَطل، فسقطَ الفارسُ البطل صريعاً فوقَ أرضٍ شَهِدَت العديد من المعارِك؛ وكُلّ ذرّة تُرابٍ فوق تلك الأرض تشهد ببطولته وانتصاراته، لَقد اقتلعوه من أرضِه ووطنه اقتلاعاً، فبَانت لهُ الدّيار ممتدةً أمامه في نَظرةِ الوداعِ الأخيرة، وبدأ جَسَده يتهاوى وهو يتأمل لحظاته الأخيرة بِصمت، وكانت بلادهُ آخر ما رأى ليُطبق عينيه بعدها على أطيافِ انتصاراته.




الشّهادةُ في سبيل الوطن شرفٌ لا يُعادله شرف، وهي من أسمى غايات المُقاتِل النّبيل لتحقيق حُلُم النّصر، فنَم قرير العين يا شهيد فالشّهادةُ خُلودٌ في موتٍ رائِع.




أهدي سلاماً طأطأت حروفه رؤوسها خجلى، وتحيةً تملؤها المحبة والافتخار لكلّ شهيد قدّم روحه ليحيا الوطن، فيقوم الوطن لينحني إجلالاً لأرواح أبطاله، وتغيب الشمس خجلاً من تلك الشموس.




عندما يرتقي الشّهيد ويَسير في مَوكبِ مَلَكي إلى الفوز الأكيد، وعِندما تَختلِطُ الدّموعُ بالزّغاريد، عِندها لا يَبقى ما نَفعَلُهُ أو نَقوله، فقد لخّصَ هذا الفارِس كُلّ مشاهد الخلود بابتسامة رَحيله.




وما الحُرّ إلّا المضحّي الذي إذا آن يوم الفِداء يَفتدي، فمَن لَم يمُت في الجِّهادِ النَبيل؛ يمُت راغِم الأنفِ في المَرقدِ.




أيُّها الشّهيد، إنّ مَوتُ بَعضَ الشّعب يُحيي كُلّه، وإنّ بَعض النّقص هو روح الاكتِمال، تَفقِدُ الأشجار مِن أغصانِها، لتزداد بعدها اخضراراً واخضلالاً.




تتزاحمُ الكَلِمات فتقِفُ على شفتيّ، ولا أدري بأيّ الكلِماتِ أبدأ، وتَختلِجُ في الصّدرِ العِبارات فتخنقني وتُعيقني عن إكمال المُفردات فماذا عساي أن أقول، وأيُّ لغةٍ تَستطيع ان تُسعِفَ قَلَمي الذي جَعَلته فاجِعة خَبر استشهادك حائراً بين السَطور، فيا قلب كفاك ألماً ويا حُروف الرِّثاء كَفاكِ حُزناً، ويا روحُ كَفكِفي الدَُموع وتحدّثي فَخراً واعتزازاً، نِعم المّوت هو الموت شهيداً.




صعبٌ علينا أن نَرى بدراً هوى، ونَرى التُّراب على سناه مهيلاً، صعبٌ بأن نَجِد الذي حَمَل الهُدى أمسى عَلى أعناقنا مَحمولاً، صعبٌ علينا أن يُباعد بيننا هذا التُّراب فلا نراه طويلاً.




نم يا شهيد الحقِّ مسروراً قَرير العَين؛ فَقد كان المنامُ عليك قبلُ ثقيلاً، وانعم بلُقياك الرّسول محمّداًً، وبوجه ربِّك راضياً مَقبولاً.




يقومُ الوَطن ليَنحني إجلالاً لأرواح أبطالِه، وتَغيبُ الشّمسُ خَجَلاً مِن تِلك الشَُموس.




من أيّ سبيكةِ ذَهَبِ صيغت نُفوس هؤلاء الشُّهداء، وكيف استطاعوا أن يَثبتوا ويَهزِموا الرُّعب مِنَ الموت والخوف مِن الرّصاص، وأيّ روحِ قُدسيّةً تَملّكتهُم في تِلك اللّحظة، وأيُّ بطولةٍ يَعجز عن وصفها اللّسان، لله درّكم أيُّها الأبطال.




حين يبذُلُ الشَّهيد روحه طواعيةً، وحين يَثبتُ في مُواجَهةِ الموتِ، حين يَسمو على الحياةِ التي نُحرِصُ عليها جميعاً بغريزةٍ أساسيةٍ (مثلنا مثل سائر المخلوقات)، هُنا نشعر بضآلتنا أمام روحه الشّامخة وتضحيته العظيمة، ومن هنا يبدأ ميلاد خلود تِلك الرّوح الثّائِرة.




فتنت رّوحي يا شهيد، وعلّمتها معنى الخلود.




الشَّهيد نَجمة الّليل التي تُرشد من تاه عن الطّريق، فتُبقي الكَلمات عاجزةً تُحاول عبثاً أن تصِفهُ وتصِف عظيم تضحيته، لكِن هيهات فهذا هو شهيد لا يُقارن ببشر.




الشَّهيد هو لحظةُ التّسامي فَوقَ هذه الغرائِزِ العمياء حِينما يَثبتُ في مواجَهَةِ المّوت، ويَعلو فوق الانعِكاسات الشرطيّة، وقتها يتحقّق فيهِ الإنسان الكامل الذي تُرفع لَهُ التحيَّة العسكريّة، وتُصلّي عليهِ الملائكة.




ليس هُناك كلمةٌ يُمكن لَها أن تَصِفَ الشَّهيد، ولكن قد تتجرّأ بعضُ المُفردات في مُحاولةِ وَصفه، فَهو شمعةٌ تَحترِق ليحيا الآخرون، وهو المِغوار الذي يَجعل من عِظامِهِ جسراً يَعبُرون عليه إلى الحُريّة، وهو الشّمس التي تُشرق إن حلّ ظلامُ الحِرمان والاضطّهاد.




أشعار في رثاء الشهيد

  • قال الشّاعِر:

قولوا لمقبرة الشهداء، ألا يكفيك!!

غنَّينا أغنية حارقة، لم يألفها محمود

الآن نقول لِمقبرةِ الشُّهداء المُختفيةِ في أحراشِ الدّار

يا مقبرة الشُّهداء المَغمورين الجبّارين، أغيثيني

أولا تكفيكِ أكاليل الغار!!

أولا تكفيكِ مِئاتُ قرابيني!!


  • قال الشّاعِر:

عِنْدمَا يَذْهَبُ الشُّهَدَاءُ إِلَى النَّوْمِ أَصْحُو وَأَحْرُسُهُمُ مِنْ هُوَاةِ الرِّثَاءْ

أَقُولُ لَهُم:

تُصْبحُونَ عَلَى وَطَنٍ

مِنْ سَحَابٍ وَمِنْ شَجَرٍ، مِنْ سَرَابٍ وَمَاءْ

أُهَنِّئُهُم بِالسَّلامَةِ مِنْ حَادِثِ المُسْتَحِيلِ،

وَمِنْ قِيمَةِ الَمَذْبَحِ الفَائِضَة

وَأَسْرِقُ وَقْتَاً لِكَيْ يسْرِقُوني مِنَ الوَقْتِ.

هَلْ كُلُنَا شُهَدَاءْ؟

وَأهْمسُ: يَا أَصْدِقَائِي اتْرُكُوا حَائِطاَ وَاحداً، لحِبَالِ الغَسِيلِ،

اتْرُكُوا لَيْلَةَ لِلْغِنَاءْ.


  • وقالَ آخر:


شهيد العلا لن يسمع اللوم نادبه وليس يرى باكيه من قد يعاتبه طواه الرّدى فالكون للمجد مأتمٌ مشارقه مسودّةٌ ومغاربه فتى قاد أبناء الجِّهاد إلى العُلا وقد حطّمت بأس العدوِّ كتائبه فتى همّه أن يبلغ العزّ موطن غدا كلّ باغٍ دون خوف يواثبه.



  • وقيل أيضاً فيه:

هلاّ رَنَوتِ إلى الشهيد بِنظرةٍ

لِترَيْ ضِياءً ما لَه إخفاءُ

وترَي وليّا للإله وعابدًا

في وجهه تتزاحم الآلاءُ

هذا قيام الليل في قَسَمَاتِهِ

نورٌ يحارُ بوصفه البُلغاءُ

وكذا الشّجاعةُ ليس في أُسْد الشّرى

أَسَدٌ كمثل شهيدنا فدّاءُ.


  • قال الشّاعِر:

كأنّك قد صعدت إلى السماء

على جنحٍ جميلٍ من ضياء

يسيرُ الغيم خلفك في دلال

وتمشي الشّمس ترفل في الحياء

تمدّ الرّوح في الدنيا وتمضي

فتجعلها سبيلاً للعلاء.


  • قال الشّاعِر:

يا ساقياً هذي القلوب البلسم

هانت حياتُك فاعتليت الأنجُم

هانت حياتك حين أبصّرت الوغى

فهممت تنصّب للمعالي سلّم

ألقت عليك يد المنون وليتها

ألقت بمن سلبوا ديارك والحمى.