العلاقاتُ

العلاقاتُ هي شيءٌ ثمينٌ في حياةِ النَّاسِ، وبِها تقوم المُجتمعات وتكبُر، ومَعها تنهَضُ الأُمم وتعمر، والعلاقاتُ تسمُو في عالمِ البشريّة، وتعظُم بالقدرِ الّذي تحيا فيه بينهم، ورغمَ ما يحصُل أحياناً من فشلِها بينَ النّاس، إلّا أنّ الحالةَ السّائدة فيها أن تكون ناجحةً ولا تفشَل إلّا بمُعيقاتٍ وعواملَ وأسباب تساعِدُ على فسادِها وفشلِها، وإنّ التّعاسة الحقيقيَّةُ بفسادِها وفشلِها؛ لأنّها إذا كانت ناجحةً يترتّب عليها نجاح الأفراد والمُجتمعات، وإذا كانت فاشلةً يترتّب عليها فشل الأفراد والمُجتمعات، لذلك يجب الحِرص كلّ الحِرص على استقامتِها وصلاحِها؛ لأنّها سببٌ في نهضةِ الأمّة وافتخارِها.


كلامٌ في العلاقات



العلاقاتُ تتعدّد في المُجتمعات، وتسمُو بِطُهرِها ونقائِها؛ فمنَ الجميل أن تكونَ العلاقةُ صالِحةً مبنيَّةً على أسُس متينة، فحتّى لو واجهتها الصّعاب والآلام تكونُ مُحصّنة تستطيعُ الصُّمودَ بقوَّةٍ، فلا تفشَل وتضمحلُّ عند أوّل نازلةٍ تنزِلُ بها.




الجميلُ في مفهوم العلاقة، هو كونها علائقيّة وهذهِ هي أسمى مسمَّياتِ التَّعاضُد والتّظافُر، فمتى حقّقت العلاقاتُ المُرادَ من كونِها علاقةً مترابِطة ومتماسِكة، ترتقي بنجاحِها ورفعتِها، ومتى تفكّكت واتّخذت مساراً وعِراً كان أدعى للفشلِ والانهيار؛ فهي كالبناءِ القويّ المُتماسِك إن أزِيلت منه لَبِنة انهارَ كلُّه.




العلاقاتُ الّتي تبقَى مستمرّة زمناً طويلاً، تلك تكون قد بُنِيت على عمدٍ ممدّدة قويّة، أمّا تلكَ الّتي ما تلبثُ أن تفسد أو تفشَل تكونُ قد بُنِيَت على ماءٍ، وهذا الماءُ سينخر فيها كلّ يومٍ بيوم، وما تزالُ هكذا إلى انهيارِها ودمارِها.




نحنُ نرى اليومَ الكثير من مُشكِلاتِ فشلِ العلاقاتِ؛ سواء العلاقات الزّوجيّة منها، أو علاقات الصّداقة، أو ما تكونُ كالحبِّ والشّراكةِ وغيرها، وإنّ أوّل أسبابِ فشلِها ودمارِها هو عدمُ بنائِها بإحكامٍ وإتقان، فالأصلُ في هذهِ العلاقاتِ كلّها وما يشملُها أن تكونَ راسِخةً على الحبّ الحقيقيّ السّامِي، وعلى الودّ والرّحمة العميقة الرّاقية، وعلى الفهمِ الواعي المتبصّر في مشكلاتِ الحياةِ وما يكتنِفها من مصاعبَ وأشواك.




الحبُّ في العلاقاتِ أساس، والرَّحمةُ فيها يجبُ أن تكونَ مليئةً بالإحساس، فهاتانِ أصل نماءِ العلاقاتِ بين النّاس وصفائها وبقائها.




الرّقيّ بالنّظر في العلاقاتِ وأنّها ليست محض لعبةٍ نلعبُ فيها أدواراً سينمائيّة، هو ما يجعلُها تعظُم وتكبُر في حياةِ أصحابِها، أمّا اتّخاذِها وسيلةً أو لعبةً أو حاجةً تنقضي بانقضائِها فهو من أضنَكِ الأسبابِ لانهيارِها، والذَّكيُّ في علاقاتِه ذكيٌّ في تصرّفاتِه.




العلاقاتُ الاجتماعيّة بنّاءة، فهي الّتي تَبني الجيلَ المُستقيم على النّهج القويم.




العلاقاتُ انتعاشٌ مجتمعيّ، وسِعةٌ ثقافيّة، وتطلّع أخلاقيّ، ونظرةٌ شموليّة، وهي عِمادُ كثيرٍ من أساساتِ المجتمع إذ بها تكون اللّبنة الأساسيّة في كونِها تُؤسّس الأسرةُ؛ وهذه العلاقةُ الأُسريّة هي مِشكاةٌ لسائِر أفرادِها، وهي نورٌ على ظلماتِ مجتمعها.




العلاقةُ الحقيقيّة هي الّتي يلبسُها الدِّفءُ والوِئام، ويكلؤها الحبّ والحنانُ والسّلام، وهي الّتي تُبنى بالثّبات ولا تفشلُ حتّى الممات؛ فهي النَّجاحُ بعينِه، والفلاحُ المرهونُ به كلّه، والصّلاحُ الذّاتِيّ في طرفي العلاقة هو الّذي يقود للإصلاحِ الجماعيّ في كافّة أطرافِ المُجتمع.




أكثرُ ما يشغلُ المُصلِحين اليوم هو تحديدُ مركزيّات العلاقةِ بين الخلقِ وبين خالِقهم أوَّلاً، ثم النّظر إلى ما بين الخلقِ والخلقِ معاً؛ فمتى صلحت العلاقةُ بين المخلوقِ وخالِقه سُبحانه وتعالى، لا شكّ بصلاحِ العلاقاتِ الّتي هي دونَ ذلِك؛ فالمركزيّة الأساسيّة هي اشتغالُ النَّاسِ بالتّعرّف إلى خالِقهم وتقوية أواصِر العلاقةِ معه بالطَّاعةِ والامتِثال؛ ثمّ ما هو دونَها من علاقاتٍ هو تابِعٌ أساسيّ لها يمضي بصلاحِه على مِشكاةِ صلاحِها.




العلاقةُ الربّانيّة الّتي تكون بين العبدِ وربّه؛ هي من أهمّ الرّكائز في بناءِ شخصيّة الإنسان وتحديد وجهته ومسؤوليّاتِه وأفكاره واتّجاهاتِه، ثمّ تتبعُها العلاقة الذّاتية في الارتقاءِ بالنّفس وتقديرِها في حدود معيّنة، وتستلزِمُ تبعيّتها للعلاقةِ الرّبّانيّة، ثمّ ما يُسمّى بالعلاقة الجماعيّة، هذه العلاقة متعدّدة ومتفرّعة المباني، وهذهِ كثيراً ما تَنحطّ فيها المبادئ السّامية وتُنسَى، فتركنُ إلى ركنُ المصلحةِ الشّخصية لا المصلحة العامّة.




إنّ النَّاظِر في العلاقاتِ يلمَحُ تفرُّداً في تلك العلاقاتِ الّتي ترتكزُ على خطى الصَّالِحين الأوّلين في نظريَّاتِهم في بناءِ علاقاتِ حيوَاتِهم، فكانوا يستندون إلى أصلٍ سامٍ راسخٍ عميق، في أصالةِ علاقاتِهم وسُموّها، فالاستنادُ إلى القُدوة العمليّة في كيفيّة علاقتِه مع العالَمين من حولِه، وفي كيفيّة صدقِ توجّهه مع ربّه أوَّلاً قبل ذلِك، ولا يتمثَّلُ هذا إلّا في رجلٍ واحدٍ كانَ حقيقاً على سائِر العلاقاتِ في حياتِه أن تكونَ موسومةً بالنّجاح والتألّق، وأن يسعى البشرُ أجمَعين إلى الاقتداءِ الخالِص به، وهو الرّجل الأعظم محمّد صلّى الله عليه وسلّم.




عِباراتٌ في فشلِ العلاقاتِ



فشلُ العلاقاتِ، ينشأُ بادِئ الأمر من ضعفِ تقدير الذّات وتوكيدها.




كثيراً ما تفشلُ العلاقاتُ؛ بسببِ بُعدِها عن هرمِ التَّعامُل فيها بالأولويّات.




التسلّط والجُحود والقسوة من أدعى أسبابِ خرابِ العلاقاتِ وانخرارِ السّوس في أعمدتِها.




الحبُّ من طرفٍ واحدٍ، وانعدام الرَّحمةُ كذلِك هما سبب فشلِ الكثير من العلاقاتِ الزّوجيّة.




العلاقةُ الّتي تنتَهي، وقد يُحكم عليها بالفشَل، هي تجرِبةٌ حكيمةٌ للّذين يأتونَ من بعدها للتّعلّم والفِهم والعَمل.




العلاقاتُ نبراسٌ في الأمّة، وفشلُها سببٌ في الهلاكِ والغُمّة.




أوّل ما يسعى إليه الاحتلالُ في استعمارِه أمّة ما؛ هو البدءُ بإفشالِ وتحطِيم علاقاتِ أفرادِها الموسومةِ بالنّجاح.




العلاقاتُ كي تفشَل، يكونُ قد بُدِئَ بالعنصَر الأضعفِ فيها وكثيراً ما تكونُ المرأة.




العلاقةُ الزّوجيّة الّتي تنتهي بالطّلاق قد لا يُحكم عليها بالفشَلِ دائماً، وإنّما قد تكون سبباً لنجاحٍ آخرٍ لم يأتِ بَعد.




العلاقةُ العاشِقةُ الّتي تبدأُ بالحبّ بين الطّرفين؛ وتنتهي بالزّواج قد تكون من أفشلِ العلاقاتِ لا من أنجحِها؛ فليسَ دائماً النّجاح محكومٌ بالاجتماع في العلاقاتِ، فقد يكونُ الأصلُ في نجاحِها هو التّفرّق.




في علاقةِ الصّداقة لا تكُن أنت العنصر المُتعلّق بالآخر دَوماً؛ فهذا يُسبّب لكَ ولصديقكَ الفشل.




من أفشلِ العلاقاتِ هي العلاقة الّتي تبدأُ بالحُبّ وتنتهي بالكُره، وعلى النَّقيض يكونُ أنجحُها.




العلاقاتُ الّتي لا يكونُ فيها التّقديرُ والتَّيسيرُ من شتّى أطرافِها هي علاقةٌ مرهونةٌ بالفشلِ الكثير.




من أجلّ العلاقاتِ، علاقةٌ تنشأُ من تقدير الذَّاتِ بالودّ والإخلاص، ومن أفشلِ العلاقاتِ علاقةٌ تنشأُ من إضعافِ الذَّاتِ بالقسوةِ وقتلِ الإحساس.




الحبُّ في العلاقاتِ بين الخلقِ يستوجِبُ الصّدق دوماً وقولَ الحقّ؛ فالحبيبانِ صادِقانِ مصدوقانِ سواء كانا رجلاً وامرأة، أم صديقاً وصديقِه.




الحِكمةُ في العلاقاتِ والاتِّزانُ في الخوضِ في غمارِ الحبّ، هو من أروعِ أسبابِ ثبوتِ العلاقاتِ ونجاحِها لا فشلِها وتذبذُبِها.




نجاحُ العلاقاتِ نور، وفشلُها كظلمةِ القبور.




العلاقاتُ كالشَّيءِ المُقدّس يستحقّ المحافظةَ دوماً عليه، والانتباهَ المُستمرّ له، وتفقّده بين الحينِ والآخر، خوفاً من اضمحلالِه واندَثارِه.




العلاقاتُ الفاشِلة خاضَها أناسٌ فاشِلون بكلّ غرور وتكبُّر، والعلاقاتُ النّاجحة خاضَها أناسٌ صادِقونَ بكلّ تواضُعٍ وتفكّر.




الحكمُ في العلاقاتِ لا عليها بذاتِها، وإنّما على النّاسِ المتعلّقين بها؛ فأحياناً تكون العلاقةُ ممتازةً متميّزةً، ولكنّ تصرُّفاتِ النّاسِ تنمُّ عن الضّعف في التّقدير والتّصنّع دونَ تدبير.




العلاقةُ النّاجحة الثّمينة هي كالمرأةِ الجوهرةِ الأمينة.




العلاقاتُ النّاجحاتِ بناءٌ لأساساتِ المجتمعات.




النّور في الحبّ، والعتمةُ في الكُره، والنَّجاحُ في العلاقة أساسٌ وعُمدةٌ وصداقة، وأمّا الفشَلُ فهو عنوانُ الضّعف والكسَل.




العلاقاتُ المُستمرَّةُ بكلّ المواقِف بشتّى ألوانِ الأملِ والبهجةِ والحبّ، هي علاقاتٌ ناجِحةٌ في التّأصيل العمليّ للتّائِهين عن الدَّربِ السّماويّ.