قس بِن ساعدة
قِس بن ساعدة هو أحد شعراء الجاهليّة وحُكمائِها، ويُقال بأنّه كان نصرانيّاً وأنّه أحد أساقِفة نجران، لكنّ هناك روايات أخرى تقول بأنّ لا عِلاقة له بنجران، وأنّه من الحنيفيّة، وقد ورد ذِكره في كِتاب (المِلل والنحل) للشهرستاني الذي صُنِّف فيه من قائِمة الموحّدين ومن يؤمنون بيوم الحِساب، وقد كان قس رجلاً زاهِداً، وشاعراً، وحكيماً، وخطيباً، حتى إنّ العرب كانوا إذا أرادوا مدح شاعر أو حكيم قالوا: أبلغ مِن قِس، وفيما جاء على لسانه من حكم نثرية وشعرية كُتب هذا المقال.
من حكم قس بن ساعدة النثريّة
عُرِف عن قِس أنّه كان يُنكِر المُنكر الّذي كان شائِعاً في الجاهليّة، وقد أدركه النبي قبل مَهبطِ الوحي بعشرةِ أعوام، وقد جاء على لسانه من الحكم ما يأتي:
أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا وَعُوا: مَنْ عَاشَ مَات، وَمَنْ مَاتَ فَات، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آت.
لا تجمع ما لا تأكل ولا تأكل ما لا تحتاج إليه، وإذا ادَّخرت فلا يكونن كنزك إلّا فعلك، وكن عفَّ العيلة مشترك الغنى تسد قومك، ولا تشاورنَّ مشغولاً وإن كان حازماً، ولا جائعاً وإن كان فهماً، ولا مذعوراً وإن كان ناصحاً، ولا تضعنَّ في عنقك طوقا لا يمكنك نزعه إلّا بشقّ نفسك.
من عيّرك شيئاً ففيه مثله، ومن ظلمك وجد من يظلمه، متى عدلت على نفسك عدل عليك من فوقك، فإذا نُهيت عن شيء فابدأ بنفسك.
إذا خاصمت فاعدل، وإذا قلت فاقتصد، ولا تستودعنَّ أحداً دَينك وإن قرُبت قرابته، فإنّك إذا فعلت ذلك لم تزل وجلاً، وكان المستودع بالخيار في الوفاء بالعهد، وكنت له عبداً ما بقيت، فإن جنى عليك كنت أولى بذلك، وإن وفّي كان الممدوح دونك، عليك بالصّدقة فإنّها تكفِّر الخطيئة.
حلم الإنسان ماء وجهه، فما تقول في المال وفضله؟ قال: أفضل المال ما أُعْطِي منه الحق، قال: فما أفضل العطية؟ قال: أن يُعْطَى قبل السؤال.
قيل له: عمَّن حَمَلتَ الحكمة؟ قال: عن عدَّة من الفلاسفة، قال: فما أفضل الحكمة؟ قال: معرفة المرء بقدره.
وجَدْنا أبْلغَ العِظات النَّظرَ إلى محلِّ الأموات.
أحْمدَ البلاغة الصَّمت.
البيِّنة على من ادّعى، واليمين على من أنكر.
مطر ونبات، وأرزاق وأقوات، وآباء وأمهات، وأحياء وأموات جمع وأشتات، لَيْلٌ دَاج، وَنَهَارٌ سَاْج، وَسَماءٌ ذَاتُ أبْرَاجٍ، وأرضٌ ذات فجاج، وبحارٌ ذات أمواج، ومهادٌ موضوع، وسقفٌ مرفوع، ونجومٌ تَمور، وبحارٌ لا تغور، وَنُجُومٌ تَزْهَر، وَبِحَارٌ تَزْخَر..إِنَّ فِى السَّمَاءِ لَخَبَراً، وإِنَّ فِى الأرضِ لَعِبَراً، مَا بَاْلُ النَّاسِ يَذْهبُونَ وَلاَ يَرْجِعُون!.
أرَضُوا فَأَقَامُوا؟، أمْ تُرِكُوا فَنَامُوا؟، تبّاً لأرباب الغفلة من الأمم الخالية، والقرون الماضية.
أيْنَ الآبَاءُ والأجْدَادُ؟، وأيْنَ الفَرَاعِنَةُ الشِّدَادُ؟، أَلَمْ يَكُوْنُوا أكْثَرَ مِنْكُم مَالاً وأطولَ آجالاً؟، طَحَنَهُم الدهْرُ بِكَلْكَلِهِ، ومزَّقَهم بتطاوُلِه.
يُقسِم قس بالله قَسَماً لا إثم فيه إنّ لله ديناً هو أرضَى لكم وأفضل من دينكم الذى أنتم عليه، إنّكم لتأتون من الأمر منكراً.
قال: لأقضينّ بين العرب بقضيّةٍ لم يقضِ بِها أحدٌ قبلي ولا يردّها أحدٌ بعدي: أيّما رجلٍ رمى رجلاً بملامةٍ دونها كرم فلا لوم عليه، وأيّما رجلٍ ادّعى كرماً دونه لؤم فلا كرمٌ له.
إنّ لله ديناً هو خيرٌ من دينكم الذي أنتم عليه، وإن لله نبيّاً قد حان حينه وأظلّكم أوانه، فطوبى لمن آمن به فهداه، وويلٌ لِمَن خالفه وعصاه، فبادروا إليه فعمّا قليل قد ظهر النور، وبطل الزور، وبعث الله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالحبور، صاحب الوجه الأزهر، والحاحب الأنور، والطرف الأحور، وصاحب قول شهادة أن لا إله إلا الله، فذلكم محمد المبعوث إلى الأسود، والأحمر، ولأهل المدر والوبر.
مَنَعَ البَقاءَ تَقَلُّبُ الشَمسِ وَطُلوعُها مِن حَيثُ لا تُمسي، وَطُلوعُها حَمراءَ صافِيَةً وَغُروبُها صَفراءُ كَالوَرسِ، تَجري عَلى كَبِدِ السَماءِ كَما يَجري حِمامُ المَوتِ في النَّفسِ
الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي لَم يَخلُقِ الخَلقَ عَبَث، وَيَخلُفُ قَومٌ خِلافاً لِقَومٍ وَيَنطِقُ لِلأَوَّلِ الأَمَّلُ.
كُلُّ يَهماءَ يَقصُرُ الطَرفُ عَنها، أَرقَلَتها قِلاصُنا إِرقالا.
في الذاهبين الأولينَ مِن القرونِ لنا بَصائر، ورأيتُ قومي نَحوها تَمضى الأكابر والأصاغِرُ، لا يَرجعُ الماضى إلىَّ ولا مِن الباقين غابر، أيقنتُ أنى لا محالةَ حيثُ صارَ القومُ صائر.
بَلونا الزمان فوجدناه صاحباً، ولا يُعْتِب مَن عاتبه، ووجدْنا الإنسان صورةً من صور الحيوان يتفاضلون بالعقول، ووجدنا الأحساب ليست بالآباء والأمهات، ولكنّها هي أخلاق محمودة.
وجدنا لأهل الحزم حذاراً شديداً، وبذلك نجَوا من المكروه.
الكرمَ حُسْنَ الاصطبار، والعِزَّ سرعةَ الانتصار، والتجرِبةَ طُولَ الاعتبار.
قيل له: خبِّرني هل نظرتَ في النجوم؟ قال: ما نظرْتُ فيها إلا فيما أردت به الهداية، ولم أنظر فيما أردتُ به الكَهانة.
لا تشاور مشغولاً وإن كان حازمًا ولا جائعاً، وإن كان فَهِما، ولا مذعوراً وإن كان ناصحاً، ولا مهموماً وإن كان عاقلاً، فالهَمُّ يَعْقل العقل فلا يتولَّد منه رأي، ولا تَصْدق به روِيَّة.