ديوان كزّهر اللّوز أو أبعد
كزهر اللّوز أو أبعد هو ديوان شِّعر للشّاعر العربي الفلسطيني الرّاحل محمود درويش صدر عام 2005م، واللّوز في ديوان درويش رمزٌ من رموز وطنه الأسير، فيما عكس هذا الدّيوان تجربة الشّاعر الراحل الثريّة بالمعاناة، والغربة، والألم والمنفى، حيث تلخّصت جميعها في مجموعة قصائد كانت هي خاتمة الرّحلة، وخاتمة الطريق.
اقتباسات شعريّة من الديوان
- لوصفِ زهرِ اللّوز لا موسوعةُ الأزهارِ
تُسعفني ولا القاموسُ يسعفني...
سيخطفني الكلامُ إلى أحابيلِ البلاغةِ
والبلاغةُ تجرحُ المعنى وتمدحُ جرحه
كمذكَّرٍ يملي على الأنثى مشاعرها
فكيفَ يشعُّ زهرُ اللّوز في لُغتي أنا
وأنا الصّدى؟
- وهو الشفيفُ كضّحكةٍٍ مائيّةٍ نبتتْ
على الأغصانِ من خفرِ النَّدى...
وهو الخفيفُ كجُملةٍ بيضاءَ موسيقيّةٍ...
وهو الضّعيفُ كلمحِ خاطرةٍ
تطلُّ على أصابِعنا
ونكتبُها سُدى
وهو الكثيفُ كبيتِ شِعرٍ لا يدوَّن
بالحروف
- لا وطنٌ ولا منفى هي الكلمات
بل ولعُ البياضِ بوصّفِ زّهرِ الَّلوز
لا ثلجٌ ولا قطنٌ، فما هو في
تعاليه على الألوان والكلمات
- لو نجحَ المؤلّف في كتابةِ مقطع ٍ
في وصفِ زّهر اللّوز، لانحسر الضَّباب
عن التّلال، وقالَ شعبٌ كاملٌ هذا هوَ
هذا كلامُ نشيدنا الوطني
- وأنت تعدّ فطورك فكّر بغيرك
لا تنس قوت الحمام
وأنت تخوض حروبك فكّر بغيرك
لا تنس من يطلبون السّلام
وأنت تسدّد فاتورة الماء فكّر بغيرك
لا تنسَ من يرضعون الغمام
- وأنت تعود إلى البيت، بيتك، فكّر بغيرك
لا تنس شعب الخيام
وأنت تنام وتحصي الكواكب، فكّر بغيرك
ثمّة من لم يجد حيّزاً للمنام
وأنت تحرّر نفسك بالاستعارات، فكّر بغيرك
من فقدوا حقهم في الكلام
وأنت تفكّر بالآخرين البعيدين، فكّر بنفسك
قُل: ليتني شمعةٌ في الظلام
- الآن، في المنفي نعم في البيت،
في الستّين من عمرٍ سريع
يوقدون الشّمع لك
فافرح بأقصي ما استطعت من الهدوء،
لأنّ موتا طائِشاً ضلّ الطّريق إليك
من فرط الزحام وأجّلك
- قمرٌ فضوليٌّ على الأطلال
يضحك كالغبيّ
فلا تصدّق أنّه يدنو لكي يستقبلك
هو في وظيفته القديمة، مثل آذارَ
الجديد ...أعاد للأشجار أسماء الحنين
وأهملك
- فلتحتفل مع أصدقائك بانكسار الكأس
في الستّين لن تجد الغد الباقي
لتحمله على كتف النّشيد... ويحملك
قلّ لّلحياة، كما يليق بشاعرٍ متمرّسٍ:
سيري ببطء كالإناث الواثقات بسحرهنَّ وكيدهنَّ
لكلّ واحدةٍ نداءٌ ما خفيٌ
هَيتَ لك ما أجملك!
- حين تُطيل التأمّل في وردةٍ
جرَحَت حائطاً وتقول لنفسكَ
لي أملٌ في الشِّفاء من الرمل
يخضرُّ قلبُكَ...
- حين تُرافق أنثى إلى السّيرك
ذات نهارٍ جميلٍ كأيقونة...
وتحلّ كضيفٍ على رقصةِ الخيل
يحمرُّ قلبُكَ...
- حين تعُدّ النّجوم وتُخطئ بعد
الثلاثة عشر، وتنعس كالطّفل
في زُرقة الّليل
يبيضُّ قلبُكَ...
حين تسير ولا تَجِد الحُلُمَ
يمشي أمامك كالظِّل
يصفرُّ قلبُكَ...
- إن نظرت إلى وردةٍ دون أن توجِعك
وفرحت بها، قلّ لقلبِك: شُكراً!
إن نهضت صّباحاًً ولم تجد الآخرين معك
يفركون جفونك، قُلّ للبصّيرة: شُكراً!
إن تذكّرت حرفاً من اسمك واسم بلادك
كُنّ ولداً طيّباً! ليقول لك الربّ: شكراً!
- مقهى..وأنت مع الجّريدة جالس
لا، لست وحدك، نصّف كأسّك فارغ
والشّمس تملأ نصفها الثّاني ...
ومن خلف الزجاج تري المشاة المسرعين ولا تُرى
إحدى صِفات الغيب تلك: ترى ولكن لا تُرى
- كم أنت حرٌّ أيّها المنسيّ في المقهى
فلا أحدٌ يرى أثر الكمنجة فيك
لا أحدٌ يحملقُ في حضورك أو غيابك
أو يدقّق في ضبابك إن نظرت
إلى فتاةٍ وانكسرت أمامها..
كمّ أنت حرّ في إدارة شّأنك الشّخصي
في هذا الزِّحام بلا رقيبٍ منك أو
من قارئ!
- هو لا غيره، من ترجّل عن نجمةٍ
لم تُصِّبه بأيّ أذى.
قال: أسطورتي لن تعيش طويلاّ
ولا صورتي في مخيّلة النّاس
فلتمتحنّي الحقيقة
قلت له: إن ظهرتّ انكسرت، فلا تنكسر
قال لي حُزْنُهُ النّبٌّوي: إلى أين أذهب؟
قلت إلى نجمةِ غير مرئيّة أو إلى الكهف
- ولم يشعُر بنقصٍّ في المكان
المقعدُ الخشبي، قهوّته، وكأسَ المّاء
والغرباء، والأشياء في المقهى كما هي
والجرائد ذاتها: أخبار أمس،
وعالمٍ يطفو على القتلى كعادته
اقتِباسات قصيرة من الديوان
- وسمّي الزمان الجديد بأسمائه الأجنبيّة يا لُغتي، واستضيفي الغريب البعيد، ونثر الحياة البسيط، لينضج شِعري.
- أحسن الكلام ما قامت صورته بين نظمٍ كأنّه نثر، ونثرٍ كأنّه نظم.
- في كُلِّ شاعِرٍ آلافٌ مِنَ الشُّعَراءِ، لَيْسَ هُناكَ شاعِرٌ يَبْدَأُ مِنَ الفَراغِ أو البَياضِ، فالشّاعِرُ يَحْمِلُ خَصائِصَ وَمَلامِحَ جَميعِ الشُّعَراءِ الّذينَ قَرَأَهُمْ؛ وَلكِنْ من دونِ أَنْ يُخْفِيَ مَلامِحَهُ، أي مِثْلُ الحَفيدِ الّذي يِحْمِلُ مَلامِحَ جَدِّهِ مِنْ دونِ أَنْ تَخْتَفِيَ مَلامِحُهُ الخاصَّةُ.
- تِلْكَ آثارُنا مِثْلُ وَشْمٍ يَدٍ في مُعَلَّقَةِ الشّاعِرِ الجاهِليِّ.
- هلْ أٌشْبِهُ الشّاعِرَ الرّعَوِيَّ الّذي تَوَّجَتْهُ النّجومُ مَليكاً على اللّيْلِ.
- يدٌ تنشرُ الصّحو أبيضَ تسهرُ تنهى وتأمرُ، تنأى وتدنو، وتقسو وتحنو، يدٌ تكسرُ اللازوردَ بإيماءةٍ، وترقّص خيلاً على النهوند.
- هي لا تحبّكَ أنتَ يُعجِبُها مجازُكَ، يعجبُها اندفاعُ النّهر في الإيقاعِ، كُن نهراً لتعجبها.
- بُرْتُقَالّيةً تدخلُ الشّمس في البحرِ، والبرتقالةُ قِنديلُ ماءٍ على شَجَرٍ باردٍ، بُرتُقاليّةً تَلِدُ الشّمسُ طفلَ الغروب الإلهيَّ والبرتقالةُ إحدى وصيفاتها، تتأمَّلُ مَجهولها، بُرتقاليّةً، تسكُب الشّمسُ سائلها في فم البحرِ، والبُرتقالةُ خائفةٌ من فمٍ جائعٍ.
- لم يَشعُر بِحاجته إلى أملٍ ليؤنسه، كأن يخضوضِر المَجهول في الصّحراء أو يشتاق ذِئبٌ ما إلى غيتاره، لم يَنتظِر شيئاٍ ولا حتّى مفاجأةً، فلن يقوى على التِكّرار، أعرفُ آخر المشوار منذ الخطوة الأولى - يَقولُ لِنفسه - لم أبتعدّ عن عالمٍ، لم أقترب من عالمٍ، لم يَنتظِر أحداً ولَم يَشعُر بِنقصٍ في مشاعِرِه، فَما زالَ الخّريف مضيفه الملكي يُغريه بموسيقى تُعيد إليه عَصر النَهضةِ الذّهبي والشِّعرُ المُقفّى بِالكواكِبِ والمدى، لَم ينتظِر أحداً أمام النّهر، في اللّا انتظار أُصاهر الدوريّ، في اللّا انتظار أكون نهراً، قال: لا أقسو على نفسي، ولا أقسو على أحدٍ، وأنجو من سُؤالٍ فادحٍ: ماذا تُريد؟.
- التمس عُذراً لِمَن تَركتك في المقهى لأنّك لَم تُلاحظ قَصّة الشّعر الجديدة والفراشاتِ الّتي رَقصت على غمازّتيها، والتمس عُذراً لِمن طلب اغتيالك ذات يوم، لا لشيء بل لأنّك لم تَمُت يوم ارتطمت بنجمةٍ وكتبت أولى الأغنيات بِحِبرها.
- يُحاصِرُني واقِعٌ لا أُجيد قراءته، قُلت دَوِّن إذن ذِكرياتك عن نّجمةٍ بَعُدت وغدٍ يتلكّأ، واسأل خيالك: هل كان يَعلم أنّ طريقُك هذا طويل؟، فقال: ولكنّني لا أُجيد الكِتابة يا صّاحبي، فسألت: كذبت علينا إذا؟، فأجاب: عَلى الحُلُم أن يُرشِد الحالمين كما الوّحي، ثُمّ تنهّد، خُذ بيدي أيّها المُستحيل وغاب كما تتمنّى الأساطير، لَم ينتصِر ليموت ولَم ينكسِر ليعيش، فخُذ بيدينا معاً أيُّها المُستحيل!.
- إن مَشيت على شارعٍ لا يؤدّي إلى هاوية، قُلّ لِمن يَجمعون القِمامَة: شُكراً، إن رجِعتَ إلى البيت حيّاً كَما تَرجِع القافيةُ بِلا خللٍ قُل لِنفسِكَ: شُكراً، إن تَوقّعت شيئاً وخانك حدسُك فاذهب غداً لِترى أين كُنت وقُل لِلفراشةِ: شُكراً، إن صّرخت بِكُلّ قِواك وردَّ عليك الصّدى: من هُناك؟ فقُل للهويّة: شُكراً!.
- سيري ببُطءٍ يا حياةُ لِكي أراكِ بكامل النُقصان حولي، كَم نسيتُك في خِضمّك باحِثاً عنّي وعنكِ، وكُلّما أدركتُ سِرّاً مِنك قُلتُ بِقسوة: ما أجهلَك، قُل لِلغياب: نَقصتَني وأنا حضرتُ لأكمِلَك!.
- لِوصفِ زهرِ اللّوز تلزمُني زياراتٌ إلى الَّلاوعي، تُرشِدُني إلى أسماء عاطفةٍ معلّقةٍ على الجُّدران، ما اسمه؟ ما اسمُ هذا الشّيء في شعريّةِ الَّلاشيء، يَلزمني اختِراقُ الجاذبيّةِ والكلام لكي أحسّ بِخِفّةِ الكلِماتْ حين تصيرُ طيفاً هامِساً فأكونها وتكونني شفّافةً بيضاء.