بغداد

بغداد هي عاصمة التاريخ والمجد، ومنارة الحضارات الأولى، وبوّابة التاريخ المشرّف، وهي أرض الخير والجمال، ومفتاح الشرق، ومقرّ الأبجديّة الأولى ومهد الحضارة، إنّها الأرض التي تغنّى على ضِفاف أنهارها الشُّعراء طرباً، فتراقصت بشموخ أشجار نخيلها، وقيلت في هذا المنظر الساحر أجمل الأقوال التي جُمعت في هذا المقال عن حسناء الشّرق، وبغداد المنصور، ومدينة الخلفاء.


كلام عن حُسن بغداد



بغداد يا قلعة الأسود، ويا كعبة المجد والخلود، سمعت في فجرك الوليد توهّج النّار في القيود، وبيرق النّصر من جديد يعود في ساحة الرشيد.




بغداد أغنيةً جميلة كتبها المجد، ولحّنها الخلود على أوتار الرحابنة لصوت الملائكة والبلابل، ونشيد الصباح الأزلي فيروز.




بغداد، والشُّعراء، والصور ذهب الزمان وضوءه العطر..كانت وستبقى في ضمائر الشُّعراء حاضرة الدنيا وماضيها، وشمسها التي لاتغيب.




بغداد فيها أوبرا..فيها كلّ شيء، ماذا فيها أكثر من باريس؟ دجلة ومليون نخلة، وأمي.




نحن يكفينا أن يُقال بغداد لترقص فينا الأضلع نفسها. 




بغداد سنبلة تشبّث بها الجراد.




أُغنّي لبغداد، وأستنشق الّليل فيها..أُغنّي لدار السّلام أُغنّي بلهجتها، فكأنّي فتىً من بنيها.




بغداد يا أمّي ونبض قصائدي، وحبيبتي، من لي سواك سبيلاً، فلقد وردتُ الصّافيات جميعها أبدا فمالي للفرات بديلاً، وعشقت من جيل النساء ملائكاً، ولغير دجلة لا أروم بديلاً.




بغدادُ عشتُ الحسنَ في ألوانه لكنّّ حُسنكِ لم يكن بحسابي، ماذا سأكتبُ عنك في كُتُبِ الهوى، فهواكِ لا يكفيه ألفُ كتابِ.




أستودَع الله في بغدادَ لي قمراً بالكرخِ من فلك الأزرارِ مطلعُهُ، ودّعته وبِوُدّي لو يودّعُني.




بغدادُ ما اشتبكت عليك الأعصرُإلّا ذَوَتْ، وَوريقُ عُمرِك أخضَرُ..مرّت بك الدنيا وصبحُك مشمسٌ، ودَجتْ عَليك ووجهُ ليلِكِ مُقمرُ.




بغداد يا أغرودةَ المنتهى، وياعروسَ الأعصُرِ الخالية الّليلُ في عينيكِ مستيقظٌ، وأنتِ في مهدِ الهوى غافية.




بغدادُ يا شغفَ الجمالِ، وملعبَ الغزلِ الطروبِ بنتِ المكارمُ للعروبةِ فيكِ جامعة القلوبِ.




ماذا ببغدادَ من طيب الأفانينِ، ومن منارةٍ للدنيا وللدّين، تُحيي الرّياحُ بها المرضى إذا نَسمَت، وجَوَّست بين أغصانِ الرياحين.




قال محمّد بن إدريس الشافعي ليونس بن عبد الأعلى: هل دخلت بغداد؟ قال: لا ، قال: يا يونس مارأيت الدّنيا، ولارأيت الناس.




سافرت إلى الآفاق، ودخلت البلدان من حدّ سمرقند إلى القيروان، ومن سرنديب إلى بلاد الرّوم، فما وجدت بلداً أفضل ولا أطيب من بغداد.




بغداد حاضرة الدنيّا الوَلود.




بغداد في البلاد كالأستاذ في العباد.




الصّناعة بالبصرة، والفصاحة بالكوفة، والخير ببغداد.




بغداد أمّ الدّنيا مَن لم يرها لم يرَ الدّنيا، ولا الناس. 




ما دخلتُ بلداً قطّ إلّا عددته سفراً، إلّا بغداد فإنّي حين دخلتها عددتها وطناً.




بغداد كانت قريبةً عليّ بعد فلسطين من هنا، والبصرة كانت بمحاذاة معان، وكتف الموصل كان أعلى قليلاً من كتف إربد..شقيقتان ريفيّتان كانتا في حقلين متجاورين رغم فاصلٍ صحراوي اضطّراري، وكان الدّينار للدينار، وليس بالدينار، وكان بلح الزّبير زادنا، وكانت فاكهة الغور حلوهم في المرّ، وتسألني الّتي لا أعرف صفتها بالنّسبة لي: ما الّذي تغيّر في ملامحك؟! قلتُ في مجازٍ ناقصٍ: شكل الحب!.




كلام عن حُزن بغداد



كان حجم الحزن المنبعث من صوت شاب عراقي تحاوره محطةً تلفزيونيّة أكبر من فصول المأساةِ، والحزنِ في ملاحم بابل القديمة..كان الموقف يذهب بعيداً في تناقضات التاريخ، وأحواله، وفي خواتم الأحداث ومآلها، الشاب العراقي الذي لم يتجاوز العقد الثالث من عمره يطالب وبرغبة البكاء القاسية بعودة بغداده التي عرفها، وعودة شوارعها إليها، وعودة الناس آمنين إلى بواباتها، وجسورها، وحاراتها القديمة، إلى مقاهيها وليلها الآمن، وكأنّه يتحدّث عن خبرة عمرها ثلاثة آلاف سنة لا ثلاثة عقود من العمر.




لا تحزني يا بغداد واصبري، فإنّ كلّ شيءٍ يعود ما بقي في القلب إيمان، وفي الفم لسان، وفي اليد سنان.




وتساءل طفلٌ مرَّ بصمتي هل بغدادُ على بردى؟ أومأتُ بقلبي وعلى دجلةَ أيضاً تقع الشّآم.




والطّفل يهمس في أسى: أشتاق يا بغداد تمرك في فمي مَن قال إنّ النّفط أغلى من دمي؟.




هل كانت محاولة احتلال بغداد أجمل من بغداد؟.




بغداد جئتك كالسّفينة متعباً، أُخفي جراحاتي وراء ثيابي.




لم تسقط بغداد بل دخلها السّاقطون.




لا أنسى عندما اجتاح مغول العصر بغداد، ونهبوا متحفها دمعة الرجل الأربعيني وهو يبكي ويقول بلهجته العراقيّة: 8000 سنة من الحضارة ضاعت، يا حوينتك يا العراق.




المصائب تدكّ بغداد منذ أعوام طويلة، ولِمن لا يعرف بغداد، فهي عاصمة الأحزان العربيّة، والقهر العالمي.




بكى التاريخ وانتحبت الحضارة باحتلال بغداد، تبّاً لمن دنّس أرضك يا بلادي.




لم أكن أتخيّل في نفسي يوماً أن أكتب عن احتلال بغداد، فمثل هذا الأمر لم يكن ليطرق في تفكيري، ولا حتّى بالأحلام أو الخيال.




أبيات شعريّة جميلة عن بغداد

  • قال الشاعر في بغداد:

بغداد كم مرةً تخذلين الأساطير؟

كم مرّةً تصنعين الثماثيل للغد؟

كم مرّةً تطلبين الزّواج من المستحيل؟


  • وقال شاعر آخر:


كبيرٌ على بغداد أني أعافُها وأني على أمني لدَيها أخافُها كبيرٌ عليها بعدَ ما شابَ َمفرقي وَجفّتْ عروقُ القلب حتى شغافُها تَتَبّعتُ للسَّبعين شطآنَ نهرِها وأمواجَهُ في الليل كيف ارتجافُها وآخَيتُ فيها النَّخلَ طَلْعاً، فَمُبْسراً إلى التمر، والأعذاقُ زاهٍ قطافُها تتبَّعتُ أولادي وهم يَملؤونَها صغاراً إلى أن شيَّبَتهم ضفافُها! تتبَّعتُ أوجاعي، وَمَسرى قصائدي وأيامَ يُغني كلَّ نَفسٍ كَفافها



  • وقيل فيها أيضاً:


عيناك يا بغداد منذ طفولتي شمسان ناعمتان في أهدابي لا تنكري وجهي فأنت حبيبتي وورود مائدتي وكأس شرابي بغداد جئتك كالسفينة متعباً أخفي جراحاتي وراء ثيابي بغداد عشت الحسن في ألوانه لكن حسنك لم يكن بحسابي ماذا سأكتب عنك يا فيروزتي هواك لا يكفيه ألف كتاب قبل الّلقاء الحلو كنت حبيبتي وحبيبتي تبقين بعد ذهابي



  • وقيل:


على بغداد معدن كلّ طيب ومغنى نزّهة المتنزّهينا سلامٌ كلّها جرحت بلحْظِ عيون المشتهين المشتهينا دخلنا كارهينَ لها فلمّا ألفناها خرجنا مكرهينا وما حبّ الديار بنا ولكن أمر العيش فُرقة من هوينا



  • وقال شاعر مرّة:


ايه بغداد والّليالي وكِتاب ضمّ أفراحنا وضمّ المآسي عبث الدّهر في بساتينكِ الغنّاء والدّهر حين يعبث قاسِ فتصدّيتِ للغزاة وجابهتِ إذا هُم مثل الجبال الرّواسي



  • وقيل في حسنها:


وفي الأرض ببغداد هواءٌ هو المنى وعيشٌ هو السلوى وماءٌ هو الخمر أنس زمان الكرخ والكرخ معرس وتذهب عن ذكرى الرصافة والجسر هوى البحث أقصاني ومالي جانب أبى الله عن زوراء دجلة مزور متى خنت بغداداً وبغداد بلدة إذا رمت عنها الصبر خانني الصبر سأغفر للأياّم كلّ عظيمة أذا قربت بعد البعاد مزارها



  • وقال شاعر فيها:


بغداد أنت دواء القلب من عجز بغداد أنت هلال الأشهر الحرم بغداد أنت هوى العصّفور مهجته كالرّيح تعزف ألواناً من الحلم شتّان أنت سوى حلمٍ شُغفت به ذا الحلم كالموت مريحٌ بعضه يلم بغداد كوني للحوادث ضيغما للموت بعد حياةٍ فيه منتقم



  • وقيل:


وفدت على بغداد والقلب موجع فهل مزجت كربي وهل أبرأت دائي عفا الحب عن بغداد وكم عشت لأهيا أكاثر أيامي بليلى وضمياء فكيف وقعت اليوم في أسر طفلة مكملة بالسحر ملثوغة الراء أحاول عينهيا بعيني والهوى يشيع الحميا في فؤادي وأعضائي أكاتم أهليها هيامي ولو دروا لهامت بجنب الشط أرواح أصدائي