على إيقاع المطر
تتراقص قطراته النقيّة على حواف النوافذ، فتعلن بجدّية بدء فصل الحنين، وتعزف أجمل الألحان التي تريح النفوس المتعبة، ترى الناس يراقبونه من خلف نوافذهم ممسكين بأكواب مشاريبهم الدافئة مستنشقين رائحته التي تشبه رائحة السماء، وفي بال كلّ واحد منهم دعاء تلهج به روحه، أو ذكرى تتقلّب في مخيّلته، أو رفيق يحلم بلقائه تحت المطر، وفي هذا الزائر النقي، وفي ما يحمله من خيرات كُتبت هذه المقالة.
كلام عن المطر
في حضرة المطر تُستحضر الخواطر، وتتراقص امام الأعين الخيالات، وتقال أجمل العبارات التي يُذكر منها ما يأتي:
في المطر يُلمح صفاء الطبيعة، وتُستنشق رائحة السماء النديّة، ويشعر الإنسان بإنسانيّته من جديد.
تتناثر قطرات المطر بهدوء ورقة وكأنّها تهمس في آذاننا بصوت خافت تفاءلوا ما زالت الحياة مستمرة، وما زال الأمل موجوداً، وما زالت تلك القطرات تنهمر وتطرق نافذتك بلطف، فلتذهب لتتأملها عن قرب لتشعر بروحك من جديد.
حين يتوقّّف المطر ينسى الجاحدون المظلّات.
اسقط يا مطر وأزل الحقد من القلوب، اسقط ودع بذور الحبّ والوفاء تزيّن عالمهم، اسقط يا مطر وأعد العمر لحظات قبل الممات.
يأتي المطر ويغسل كلّ هموم البدن، ويذكرنا بما كان من براءة الصغر، كنا نقفز ونقفز تحت حباته، ونضحك، ونجري، ونتراقص تحت سماء أشرقت بهطوله.
ليس ذنب المطر أنّ ذلك التراب تحول إلى وحل ولم يصبح غابة.
المدينة ليست سيئة إلى هذا الحد؛ لأنها عندما تغتسل بالمطر تصير شهية.
إن كنت ترغب في رؤية قوس قزح، فعليك أن تتعلّم حب المطر.
نسمع سقوط المطر، ولا نسمع هبوط الثلج، كما نسمع عجيج الآلام الخفيفة ولا نسمع صمت الآلام العميقة.
يا مطر يا ماسح جفاء السنين، ويا مخلّص الروح من الأنين، ويا راوي الشجر في الربا والبساتين، متى تأتينا غير محمّل بالذكرى والحنين!
لولا اصطدام الغيوم لما نزل المطر، ولولا احتكاك العقول لما اشتعل الفكر.
ليست القلوب الطاهرة التي تتجنّب المطر، بل تلك التي تحمل المظلات.
المطر يثير فينا حنيناً وشجناً لأيام مضت ولن تعود.
بين الأرض والمطر قصة عشق أبدية، فهو يروي عطشها الدامي، ورمالها تتراقص على أنغام معزوفته الجميلة، وتبعث الحياة.
الشّعر يأتي دائما مع المطر، ووجهك الجميل يأتي دائماً مع المطر، والحب لا يبدأ إلّا عندما تبدأ موسيقى المطر.
المطر القليل يمنع غالبا العاصفة القوية.
في كل قطرة مطر رسالة حب مني.. تأملي المط، واقرئي، واقرئي.
ورائحة الشوق عند اللقاء كرائحة الأرض بعد المطر؛ لأن حياة الثرى بعض ماء، وتحيا القلوب ببعض البشر.
مَن لم يزرع السنابل لماذا ينتظر المطر؟
وللمطر رائحة خفيّة تبعث في النفوس الحنين إلى أشخاص، وأماكن، وذكريات شقينا سنين طويلة لننساها.
ليس كل سقوط نهاية، فسقوط المطر أجمل بداية.
لطرقات حبّات المطر على النافذة وقع جميل في النفس أشبه بسمفونية فريدة تغنّيها الطبيعة.
لا مطر بدون سحاب، ولا دخان بغير نار.
المطر ليس فقط بعض ماء، بل هو هبة السماء، وعشق أبديّ للرجال، والأطفال، والنساء.
يلامس المطر الطرقات فيغسلها من كل ما علق بها من بؤس، وظلم، ونفاق.
هناك سرٌّ عجيب بين المطر، وما يبعثه في الروح من رغبة قويّة في البكاء.
اخر المطر كأوّل البكاء، يخنقنا بالصمت والكآبة.
المطر مواساة ربانيّة لقلوب أتعبتها أثقال الحياة، وأنهكها ثقيل الحمل.
لماذا يذكّرني المطر في المطارات؟ وبيدَيّ جدتي المخضّبتين بالدعوات، والياسمين، والحنّاء؟
لكلّ لحظة جميلة رائحة، والمطر هو عطر الشتاء الذي لا يُضاهى.
فلا يغب عن بالك أنّ ما يجعل الزهر ينبت هو المطر لا الرعد.
البعض يشعر بالمطر، والبعض الآخر يشعر بالبلل فقط.
خُلق المطر ليمسح وجه المدينة الحزين، ويُلقي السلام على قلوب كلّ المتعبين.
أنتظر الشتاء، وطقوس المطر ليصنع البخار الصاعد من فنجان قهوتي الدافئ كراسة ضبابية على زجاج نافذتي، وتخطُّ أناملي إليك أكثر الرسائل السرّية دفئاً.
حين يموتُ المطرُ، ستشّيِّعُ جنازتَهُ الحقولُ..وحدها شجيرةُ الصبير ستضحكُ في البراري شامتةً من بكاءِ الأشجار.
تتساقط قطرات المطر بهدوء وكأنّها تهمس في آذان المتعبين بأن استعدوا لبداية جديدة.
يبعث هذا الزائر الدفء في النفوس رغم برودة الجوّ..إنّه المطر.
خواطر عن المطر
أقف على شرفتي المطلّة على الحقول المترامية أمامي لا حزينة، ولا سعيدة أراقب تساقط حبّاته الندية منذ إطلالتها من السماء وحتى سقوطها بخفّة على الأرض، شعور غريب ينتابني لا أعرف ماهيّته، ولا يمكنني التعبير عنه، فالمطر حكاية معقّدة تبعث في النفس شلالات متناقضة من مشاعر الدفء، والحزن، والفرح، والحنين، لكنّ نقاء ذلك المخلوق الذي جاء لتوّه من السماء شيء حتميٌّ لا خلاف فيه..أشعر بنفسي وكأنني اسفنجة مستعدة لامتصاص كل قطرة مطر تقع عليها دون اكتفاء، أو بأننّي صحراء قاحلة كانت قد نسيت طعم النداوة من سنين، وهاقد عاد المطر ليعيد لها الحياة، فألف أهلا بالزائر الخفيف.
انا لا أخاف المطر لكننّي أخاف ما يبعثه في النفس من فصول ذكريات كنت قد جاهدتها سنين طوال، ودفعتها بكل قوتي لتغرب بعيداً عن ذاكرتي، ولست أدري كيف لمخلوق نقي كالمطر أن يعيدها إليّ بكل دقائقها، وتفاصيلها في دقائق معدودة..تتراءى الأحداث أمامي كأنّها وليدة البارحة فأغضّ بصري عنها، وأتأمّل الأطفال يرقصون ببراءة فرحين بالشوارع، والطرق وقد غسلت وجهها الحزين بمائه فأضحت كأنّها شوارع أخرى، وأتأمّل البخار المتصاعد من كوب قهوتي الساخن حيث يعانق النافذة ليعطيني فرصة كتابة فصل جديد، ابتسم وأظنّ أنّها رسالة ربّانيه تدعوني للبدء من جديد، أمدّ أصبعي بترددّ، وأرسم وجهاً باسماً بانتظار يوم غد.
أشعار عن المطر
الشعر والمطر توأمان كلاهما يستحضر الآخر، وقد كتب الشعراء في وصف المطر الكثير، فكان من ذلك ما يأتي:
- قالت غادة السمّان:
أحدّق في المطر وهو يلتهم النافذة
والليل يتدفق نهراً من الظلال.
أحدِّقُ... كما أفعل منذ ألف عام
وللمرة الأولى أرى الأشباح بوضوحٍ تام
وهي تتابع حياتها خارج الغرف الموصدة على الصدأ
أفتح النافذة، وأمدّ يدي إليها فتضمها بأصابعها الدخانيّة بحنان
وأمضي معها إلى غابة المجهول نتسامر بحكايا ما وراء المألوف
- وقال بدر شاكر السياب:
مَطَر.. مَطَر
أتعلمينَ أيَّ حُزْنٍ يبعثُ المَطَر
وَكَيْفَ تَنْشج المزاريبُ إذا انْهَمَر
وكيفَ يَشْعُرُ الوَحِيدُ فِيهِ بِالضّيَاعِ
بِلا انْتِهَاءٍ كَالدَّمِ الْمُرَاقِ، كَالْجِياع
كَالْحُبِّ، كَالأطْفَالِ، كَالْمَوْتَى هُوَ الْمَطَر!
وَمُقْلَتَاكِ بِي تُطِيفَانِ مَعِ الْمَطَر وَعَبْرَ أَمْوَاجِ الخَلِيج
تَمْسَحُ البُرُوقْ سَوَاحِلَ العِرَاقِ بِالنُّجُومِ وَالْمَحَار
كأنّها تهمّ بالشروق
- أمّا نزار قبّاني فقال:
المطر يعني عودة الضّباب، والقراميد المُبلّلة
والمواعيد المُبلّلة
يعني عودتك وعودة الشّعر
أيلول يعني عودة يدينا إلى الالتصاقْ
فطوال أشهر الصّيف كانت يدكِ مسافرة
أيلول يعني عودةَ فمك، وشَعْرك ومعاطفك، قفّازاتك وعطركِ الهنديّ الذي يخترقني كالسّيفْ المطر يتساقط كأغنية مُتوحّشة ومطركِ يتساقط في داخلي
- وعلي الشرقاوي قال فيه:
مثلما النار كان المطر
يتساقط دفئاً على خصلات الطريق الصديق
يدثِّرنا مثل أطفاله الخارجين إلى البرد.
صادفتُ وجدي حريقاً، وأنتِ يدي
يرتدينا المطرْ، ويكوكبنا في الغيوم نجومًا ترى حلمها في النهرْ
مشينا، تدحرج في قدمينا المطر
تسلق فينا الصباح المراهق