العِتابُ

العتاب هو الحالةُ النّفسيّة الّتي تحمِلُ في طيّاتِها الحبّ الخالِص، والمودّة الغائرة، ولولا عِتابُ القلوبِ ما دامَ أصحابُ الدّورب؛ فالعِتابُ رغمَ الألم الّذي يكتنفُه لأوّل وهلَةٍ في الشّعور، إلّا أنّ القلبَ والرّوحَ يغدوانِ بعده كالطّفل المسرور، فالعِتابُ يشفي نوازِغ القلبِ من الأمراضِ، وهو يُداوِي الرّوح من سقمِ الأوجاع والأوهام، لله درّ العِتاب كم هو قاسٍ، إلّا أنّه كرجلٍ حنون طيّب، لا ينسَى العطفَ والحنان في جلّ عباراتِه وإن بدت عنيفة وشديدة، فالعِتابُ جميلٌ للقلبِ الجميل وللرّوحِ الأجمل.

رسائِلُ عِتابٍ



لم أشأْ أن أبدأَ أولَى رسالاتِي لكَ بالعِتاب، يا حبيباً من أغلى الأصحاب، ولكن اعلِمْ أنّني أفقِدُ روحِي رويداً رويداً وقتما تبتعِد عنّي كلّ يومٍ ولا تَذكُرُني بقلبِك.




سلامٌ إلى حبيبٍ باتَ ينسانِي ويكأنّه منّي بعيد، ألم تعلمْ أنّك لي نِعمَ الأخ الطّبيب؟ فكيفَ أعيشُ حياتِي وأنا يا صاحِبي لا أهنأ برؤياكَ كلّ حين.




أضحى قلبي في بُعدِك سجيناً، أرجوكَ لا تنسانِي يا رفيقي فأنتَ لي بلسمُ طريقي.




وإن كنّا لا نرى الأحبابَ الّذين نحبّهم، فهمُ الرّوح في قلبِ كلّ دعوةٍ، وهمُ نسمةُ الإصباح والإمساءِ، وهمُ السّلوى في عقلي لكلّ بلوى.




لمْ أتخيّلْ في يومٍ من الأيّام أن تصبِحَ المسافاتُ القريبةُ بيننا بعيدةً.




لم أفكرْ للحظةٍ أنّنا لربّما سنتفرقُ عند مفترقِ الطّرق، لكنّني كنتُ أعلمُ بشدّة أنّ قلباً مثلَ قلبِك لا ينسَانِي، ولا ينسَى لحظاتِ الحبّ والإخاء بيننا، ولا ينسَى حبّنا الصّادق المُلهم.




لله درّ صاحبِي كيف نسيني يا ألماً حلّ بكلّ كيانِي!




دائماً كنّا نلتقي نعم، ولكنّنا تعاهدنا على السّفر الطّويل، وعلى الحبّ الجميل، والصّفح النّبيل، والصّبر الجميل.




لمَ فعلتَ هذا بِي يا أجملَ خليل! لمَ جعلتَ أحلامنا معاً كريحٍ عابرةٍ! ولم تُعِرها أيّ اهتِمام! بِئست حياةٌ ليسَ فيها أنتَ، بِئست يا عبقَ السّلام!




سأبدأُ بكلمة العِتاب، لأنّني على علمٍ كم ستُؤثّر بكَ، وكم ستُذكّرُك بالذّكريات الجميلة السّالفة، أينَ أنت يا مَن اتّخذتُه خليلاً وحبيباً لقلبي.




أهكذا يُفعل بي! ما كنتُ أستحقّ هذا مِنك أبداً، وإن رآنِي العالمُ أنّي أستحقّه، لكنّما أنتَ مختلفٌ ويجبُ ألّا تهجُرنِي بهذه القسوة.




أينَ أنت يا حبيبي أنا مشتاقٌ وهذا الشّوق يعصِرُني صبابةً ووجداً عليك.




السّلامُ لقلبِك الهاجِر لي، وأهلاً بقلبي المهجور منك، أما أن لكَ أن تتّصلَ بي كي ترى ماذا أصابَني بعدَك! أما حانَ.




ويحَ قلبِك ألا يتحرّكُ ولو بدافعِ قليلٍ من الامتنان! ولكنّي رغمَ عِتابي، ما زِلتُ أحبّك وما زِلتُ أكُنّ لك الكثير في قلبي، وإن ملأ قلبي العذاب بألمِ العِتاب.




مرحباً.. كيفَ حالُ قلبِك؟ ألا يذكُرني؟ كنتُ أتفقّد رسائِلنا بالأمس، أتدري آخر رسالةٍ لنا معاً كانت من بعيد الزّمان!




ما هذا الشّؤم لحياتِنا ما هذا الطّغيان! أوصِيك ألّا تنساني على الرّغم من شدّة كلامي وقسوتِه، ولكن قلبي لا يردفُ تاركاً جمالَ إخوتِه ومحبّته، بيدَ أنّي أحبّك.




أهلاً بي معك، سأختصرُ كلّ كلماتِ اللّغة بقولي لكِ: أين أنتَ منّي؟ لمَ البُعد عنّي؟ ألا ترانِي أحترقُ بألمِ البُعد والغُربة! يا ليتنا مع بعضنا طوالَ الحياة يا أقرب القُربى!




السّلامُ عليك يا مودّتي الاستثنائيّة، لا تقلق لن أطيلَ عليك، ولن أُفصّل في مسألتي العتابيّة يا أعزّ أحبّائي.




يا من بقربِه وصوته كلّ سعادتي وهنائي، متى ستُسمِعني صوتَك الجميل، ومتى سأعيشُ فصولَ العام كلّها بقربِك الطّويل؟ قل لي متى كي يرتاحَ ضميري قبل الرّحيل؟




لم تكْن المسافاتُ أبداً عائقاً عن المُضيّ مع بعضنا بعضاً، وإن كانت قد فرّقتنا طويلاً ولكن أنتَ أيضاً غلبتكَ الحياةُ على وِصالي والحديثَ إليّ.




أخشَى عليك ألم عِتابي يا أغلى أصحابي، لذلك لن أُسهبَ في عتابِك، ولكن اعلَمْ أنّني لن أنساكَ ما حييتُ، وإن نَسِيتَ أنّني أحبُّ أصحابِك.




صباحُك مليءٌ بالحبّ يا عزيزاً في القلبِ، كم أحببتُ تلك الصّباحات الّتي تبدأ بقراءة رسالةٍ من جماليّاتِ نظمِك، وبرونقِ حبّك وتناسُقِ كلِمك.




كم أحِنّ إلى عبقٍ من روائحَ الفيضِ العاطِر بصحبتِك، كم وكم وكم... يا عزيزي لا يهدأ لي حالٌ ولا يحلُو لي مقالٌ، وأنتَ لا تُحادِثني كما السّابق، ولا تُراسِلُني من قلبِك العاشِق.




لن أقولَ لك اذكُرني في كلّ حينِك وآنِك، ولكنّي سأفي بوعدي ولن أنسَاكَ من دعائي في كلّ أيّامي وأيّامك.




ما أجملكَ حين تُبادِلُني ضحكةَ الإخاء! وما أبهاكَ وقتما تروي لي قصّة من قصص السّماءِ! ما عُدتُ أطيقُ بعداً منك يا سندِي؛ فأرجوك أقلِلْ بِعادَك عن أحبابِك.




الحبّ لك، والسّلامُ عليك، والشّوق لك بازديادِ يا عمادِي ويا كلّ ودادي.




أنا أعانِي في ألمِ غيابِك عن قلبي، قل لي إلى متى سنبقَى على هذهِ الحال؟ ألا يكفيكَ ما أصابَنا من كثرةِ القيل والقال! فيا حبّذا قربَك من قلبي يا أعزّ ما في قلبي.




لعلّ هذهِ آخر محادثاتِي إليك، لن أكثِرَ عتابِي عليك، وإنّما سأبقَى أوِدّك مدى الحياة؛ لأنّك لي نِعمَ الحياة.




وداعاً لقلبي إن كان لن يحيا داخلَ قلبِك مستريحاً من ألمِ الشّكوى، راجِياً حُسنَ المناجاة، بل راجِياً صدقاً منكَ كي ننجوَ معاً في دربِ النّجاة.




خواطِر عتابيّة جميلة



لا تسعُني مفرداتُ اللّغة وأنا أحاكيها عنك بكلّ شفافيّة ومصداقيّة، إلّا أنّني ألغيتُ مفردةَ العِتاب من قاموسي اللّغويّ، ولن أركنَ إليها مجدداً؛ لأنّي أريدُكَ دوماً بقربي، فلم يعُد يُجدي إغراؤكَ بحبّي.




ظهرتَ لي أقوى ممّا أتخيّل يا نبضَ قلبي، ولكنّني لن أيأسَ من وصفِ جمالِك في أنحائي المُشتاقة، لن أنساكَ من بحرِ لغتِي، من أرقى مطلعٍ في قصيدتي، تلك الّتي بدأتُها بك؛ لأنّك كلّ شيءٍ في حياتِي، يا سجل أفراحي وسعادِتي، إن كنتُ لن أحظى بقربِك؛ فيكفي أنّك تحظى بقربِي!




مع نسماتِ الصّباح، وفي أوج التّفاعل والكِفاح، بدَوْت لي كأسمى معاني الطّموح، في استقامةِ سيرِ الرّوح، ابتسمتُ ابتسامةً توحي بكلّ ما أملُك من مشاعِر، فأصبحتَ أميراً لي وحامياً من كلّ المخاطِر، فأحببتُكَ وكأنّك لي ملكاً وكأنني أنا أميرة النّور.




لله درّ قلبِك كم فيه من الجمال ما يجعله لا ينسَاني! ولكنّني لم أتخيّل في لحظةٍ أن تتجاهلَني بطرفِ عينك وروحُك، وأن تبعد عنّي، ماذا فعلتُ أخبرني يا أميري ويا رُبّانِي! لا تنظُر إليّ ثمّ تترُكني بأوهامِي، بل اقتربَ منّي وضعْ عينك بعينيّ وأخبريني وبُحْ لي بما أشقاكَ وأشقانِي! يا ينبوعَ الطُّهرِ يا هدأةَ أحزانِي.




العِتابُ قصيدةٌ رائقةُ الدّلالة، عظيمةُ التّفاصِيل والشّكاوى، فائقةٌ في وصفِ معاناةٍ ألمّت بأعمقِ نقطةٍ في سُويداءِ القلبِ.




العِتابُ أصِفه بكلمةِ الحبّ الموسومِ بالعذابِ، هو جرحٌ عميقٌ ولكنّه من الخارِج هشٌّ رقيق، ويندمِلُ برحمةٍ وعِشق حينَ يبتسِمُ المُعاتِبُ لِحبيبه المعتوبِ عليه بكلّ أناةٍ وحِلم، وإن كان شديداً صعباً، فهو يحملُ معه أجملَ مشاعِر الصّدق والسّلام.




العتاب هو حالةٌ نفسيَّةٌ لا تفهمها الأيّام، هو دفءٌ هامِسٌ في قلبِ الحبيبِ أنّك لي كلّ شيءٍ بل أنتَ لي جُنحَ الطّبّ، أنتَ لي نبضةُ الرّوح ونسمةٌ الأنفاسِ وكلّ الأخلاصِ، أنتَ لي الحبّ بأعلى مراتِبه، وما عِتابي إلّا لِمن أحبّ، فهو لي كلّ الطّمأنينةِ والرّفق.