الغريب والطريف من الكلام

إنّ لنفس الإنسان عليه حق، فعليه أن يسليها حيناً، ويسري عنها أحيانّاً كما عليه أن يهذّبها، ويعلّمها، ويفقّهها، ويزكيها، وإنّما جيء بالغريب والطريف من الكلام لهذه الغاية، فالجدّ وقت المرح والمزاح غاية في الكآبة، أمّا المرح والمزاح وقت الجدّ فقلة في العقل والأدب، وإنّما تؤخذ الأمور بقدرها لتتّزن، فلا يزيد الإنسان من هذا أو يقلل من ذاك حتى لا يكون ذلك سبب في اضطرابه، وفي هذا المقال مجموعة من طريف الكلام وغريبه.


من طرائف الكلام

ورد في التاريخ والأثر العديد من الروايات والقصص الطريفة التي كانت طرافة الكلام أصلها، وأساس انتشارها، ومن ذلك ما يأتي:



سئل ملك كي يُحرَج: نرى لحيتك سوداء وشعر رأسك أبيض؟، فقال: شعر رأسي نبتَ قبل لحيتي بعشرين سنة.




أراد رجل إحراج المتنبي فقال لـه: رأيتك من بعيد فـ ظننتك امـرأةً، فقال المتنبي: وأنا رأيتك من بعيد فظننتك رجلًا.*قال لها: النساء هنّ الدواهي والدوا هن، لا طيب للعيش بلاهنّ والبلا هن، فقالت له: والرجال هم المرهم والمُرّ هم، لا طيب للعيش بلاهم والبلا هم.




أكل أعرابي عند أمير وكان شرهاً، فقال الأمير: ما لك تأكل الخروف كأنّ أمه نطحتك؟، فرد الأعرابي: وما لك تشفق عليه كأنّ أمه أرضعتك.




قال سقراط: كل ما يقوله أفلاطون خاطئ ،فردّ أفلاطون: ما قاله سقراط صحيح.




قال الأخطل لجرير:" أنا الذي قذفت عرضك، وأسهرتُ ليلك، وأذيت قومك"، فردّ عليه جرير وقال: أمّا قولك بأنّك قذفت عرضي، فما ضرّ البحر أن يشتمه مَن غرق فيه؟!




وأمّا قولك بأنّك أسهرت ليلي، فلو تركتني أنام لكان خيراً لك، وأمّا قولك وأذيت قومك، فكيف تؤذي قوماً أنت تؤدي الجزية إليهم؟!




تفرِّق اللغة العربية في التعبير عن شهوة الإنسان إلى الأصناف المختلفة من الطعام والشراب، فيقول العرب: فلان جائع إلى الخبز، وقَرِم إلى اللحم، وعَطْشان إلى الماء، وعَيْمان إلى اللّبن، وبَرِد إلى التمر، وجَعِم إلى الفاكهة.




يقال أن اللغة العربية ظلمت المرأة في خمسة مواضع وهي:




أولاً: إذا كان الرجل لا يزال على قيد الحياة فيقال عنه أنه حي، أمّا إذا كانت المرأة لا تزال على قيد الحياة فيقال عنها أنّها حية، ثانياً: إذا أصاب الرجل في قوله أو فعله فيقال عنه أنه مصيب، أمّا إذا أصابت المرأة في قولها أو فعلها فيقال عنها أنها مصيبة!، ثالثاً: إذا تولى الرجل منصب القضاء يقال عنه أنه قاضٍ، أمّا إذا تولّت المرأة منصب القضاء فيقال عنها أنها قاضية ، رابعاً: إذا أصبح الرجل عضواً في أحد المجالس النيابية فيقال عنه أنه نائب، أمّا إذا أصبحت المرأة عضوة في أحد المجالس النيابية فيقال عنها أنها نائبة، وخامساً: إذا كان للرجل هواية يتسلى بها، ولا يحترفها فيقال عنه أنه هاوٍ، أما إذا كانت للمرأة هواية تتسلى بها ولا تحترفها فيقال عنها أنها هاوية.




من غرائب وطرائف النصوص

  • قيل على لسان أحدهم نص كامل دون نقاط وفيه قيل:

الحمد لله الملك المحمود ، المالك الودود مصور كل مولود ، مآل كل مطرود ساطع المهاد وموطد الأوطاد ومرسل الأمطار، ومسهل الأوطار، وعالم الأسرار ومدركها ومدمر الأملاك، ومهلكها ومكوِّر الدهور ومكرّرها، ومورد الأمور ومصدّرها، عمّ سماحه، وكمُل ركامه، وهمل، وطاوع السؤال والأمل، أوسع الرمل، وأرمل أحمده حمداً ممدوداً، وأوحّده كما وحّد الأوّاه وهو الله لا إله للأمم سواه.



  • وقيل نص آخر لا يحتوي على حرف الألف، وكأنّ:

حمدت من عظمت منته، وسبغت نعمته، وسبقت رحمته غضبه، وتمّت كلمته، ونفذت مشيئته، وبلغت قضيته، حمدته حمد مُقرٍ بربوبيته، متخضّع لعبوديته، متنصل من خطيئته، متفرّد بتوحّده، مؤمل منه مغفرة تنجيه يوم يشغل عن فصيلته وبنيه، ونستعينه ونسترشده ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه وشهدت له شهود مخلص موقن، وفردته تفريد مؤمن متيقن، ووحدته توحيد عبد مذعن، ليس له شريك في ملكه.


  • في رائعة حوار دار بين ذكر وأنثى قال لها:

قال لها ألا تلاحظين أنّ الكون ذكر؟، فقالت له: بلى لاحظت أنّ الكينونة أنثى، قال لها: ألم تدركي أنّ النور ذكر؟، فقالت له: بل أدركت أنّ الشمس أنثى، قال لها أوليس الكرم ذكر؟ فقالت له: نعم ولكنّ الكرامة أنثى، ثمّ عاد ونظر إليها بصمت للحظات، وبعد ذلك قال لها: سمعت أحدهم يقول أنّ الخيانة أنثى، فقالت له: ورأيت أحدهم يكتب أنّ الغدر ذكر، قال لها: ولكنّهم يقولون أنّ الخديعة أنثى، فقالت له: بل هنّ يقلن أنّ الكذب ذكر، تنحنح ثم أخذ كأس الماء، فشربه كله دفعة واحدة وقال لها: يبدو أنّك محقة فالطبيعة أنثى، فقالت له: وأنّت قد أصبت فالجمال ذكر، قال لها لا بل السعادة أنثى، فقالت له: ربما ولكنّ الحب ذكر، قال لها: وأنّا أعترف بأنّ التضحية أنثى، فقالت له: وأنّا أقر بأنّ الصفح ذكر، قال لها: ولكنّني على ثقة بأنّ الدنيا أنثى، فقالت له: وأنّا على يقين بأنّ القلب ذكر، ولا زال الجدال قائماً، ولا زالت الفتنة نائمة، وسيبقى الحوار مستمراً طالما أنّ السؤال ذكر، والإجابة أنثى.



من غرائب وطرائف الأشعار

لم تخلُ أشعار الشعراء من الطرافة والغرابة أحيانا، ومنها:

  • أبيات تُقراُ بشكل أفقي، وعمودي فتعطي الترتيب والمعنى نفس وهي:

ألــــــــــــوم صديقـــــي وهـــــــــذا محـــــــــــــــــــال

صديقــــــــي أحبــــــــــــه كـــــــــلام يقـــــــــــــــــال

وهـــــــــــذا كــــــــــــــلام بليــــــــــغ الجمـــــــــــــال

محـــــــــــــال يــــــــــــقال الجمـــــــال خيــــــــــــال



  • قال الشاعر في أبياته التي تُقرأ من اليمين إلى اليسار فتُرى مدحاً، وتقرأ من اليسار إلى اليمين فتُرى هجاء:

حلموا فما ساءَت لهم شيم

 سمحوا فما شحّت لهم مننُ

 سلـموا فـلا زلّت لهم قدمُ

رشـدوا فــلا ضـلّت لهم سـننُ



أمّا عند قراءتها معكوسة فتصبح:

مننٌ لهم شحّت فما سمحوا

 شيمٌ لهم ساءَت فما حلموا

سننٌ لهم ضلّت فلا رشـدوا

قـدمٌ لهم زلّت فــلا سلموا



  • ومن ذلك قصيدة للإمام علي كرّم الله وجهه كتبها دون نقاط، وقال فيها:


هلَّ الهلال وهامل الدمع مدرار لا هلّ وأهمل ماطره كالهلل هل صور وصار الملح والدل والكار له والمها ما له ولا رسم ما كل لو صاح صالح طالعه ساعٍ ما دار اسود على صدره على المسك عمل سامح محمد لا راى روس الاسطار وحسامه الصارم لراع الهوى سل ولا ردّ كودِّ أهلا وسهلا له كرار والحلم هو والعلم دلّه ولا دل




  • ومن روائع الغزل العربي:


ومغرمة بالنحو قلت لها أعربي حبيبي جار عليه الحب واعتدى قالت حبيبي مبتدأ في كـلامه فقــــلتُ لها ضميه إن كان مبتدا




  • وقيل:


فأشعاره مشهورة ومشاعره وعشرته مشكورة وعشائره شمائله معشوقة كشموله ومشهده مستبشر ومعاشره شكور ومشكور وحشو مشاشه شهامة 'شمير يطيش 'مشاجره




  • أمّا أغرب القصائد فقصيدة صوت صفير البلبل التي قال فيها الأصمعي:


صوت صفير البلبلِ هيج قلبي الثملِ  الماء والزهر معاً  مع زهرِ لحظِ المٌقَلِ  وأنت يا سيدَ لي وسيدي ومولى لي  فكم فكم تيمني غُزَيلٌ عقيقَلي  قطَّفتَه من وجنَةٍ من لثم ورد الخجلي  فقال لا لا لا لا لا  وقد غدا مهرولي  والخُود مالت طرباً من فعل هذا الرجلِ