الصّبر على الموتِ

الموتُ قاسٍ ألِيم، يفتِكُ بالقلبِ فتكاً، ويُحزِن العينَ ويُبكيها، لكنّ الموت مرحلةٌ في حياةِ البشريّة يجبُ على كلّ إنسانٍ أن يمُرَّ بها، وإنّ تلك اللَّحظاتُ التي نفقدُ فيها أحداً عزيزاً على قلوبِنا تكون صعبةً جدَّاً، والأصعبُ منها الصّبر بعدها، فكيف سنتحمَّلُ هذا؟ لكن لا بُدّ للإنسانِ أن يَصبِر ويصبِر، وعليه أن يُسلّم ويرضى بهذا القدر الّذي كُتِب له، ولله درّ الصّابر على موتِ عزيزِه، والآنَ إليكم بعض ممّا كُتِب في الصّبر على الموتِ.


كلماتٌ في الصّبر على الموت



في اللّحظة الّتي يموتُ فيها أحدُهم، قد تسودّ الدّنيا بعيون أحبابِه ويسود فيهم الألمُ، ويجتاحُهم الحزنُ، وتُضني الحياةُ قلوبَهم، وتملأهم الأشجانُ.




الموتُ صعبٌ على الميّت، فما بالُك بالفاقِد لذلك الميّت، ففي القلبِ غصّة وحُرقةٌ لا تندمِلُ أبداً، فيأتي نذيرُ الصّبرعلى الموتِ أنِ اصبرُوا؛ فيُنزِل الله على تلك القلوبِ الحزينة أمنَه وسِلوانَه؛ فيطمئنّون ويُسلّمون لله تعالى تسليماً عظيماً.




الصّبر على الموتِ عظيمٌ جليل لا يقدِر عليه إلّا أصحابُ القلوبِ المؤمنة إيماناً قويَّاً، هؤلاء الّذين تغشاهم السّكينة باطمئنان، وتحفّهم الرّحمة بأمان، هنيئاً لمن امتلَك هذا القلبَ المُؤمِن، فالصّبر في ذلك الموقف الصّعب لجللٌ وأيّ جللٍ.




الصّبر على الموتِ بالذّكر لله عزّ وجلّ، والاسترجاع لله بأنّ هذه الدّنيا لا تدوم لأحدٍ من البشر؛ فالعلمُ التّامّ بالموتِ لكلّ الخلقِ يُصبّر القلبَ الحزِين، ويُسلّي الرّوح الشّجيّة، ويُطبطبُ على الأنفاسِ بكلّ سلوى وامتنان.




الصّبر على الموتِ يكونُ بالاحتساب والتّفويض لله تعالى، بأنّ كلّ من على هذه البسيطة سيلتحِق بركبِ الموتى، وإن كان اليوم أو غداً؛ فالصّبر في هذا المعنى يجعلُ القلبَ مُستسلِماً لله عزّ وجلّ؛ فتطمئنّ الجوارح وتهنأُ الرّوح بالرّضا دون الجزع، والحمدُ دونَ الفزع، والصّبر الصّبرََ على الموت؛ فإنّنا كلّنا لذائِقو الكأسَ ذاتَه.




الموتُ هو الحالةُ العصيبةُ الّتي تمرّ على كلّ بشرٍ، فيُصيبه ما يُصيبه من الحزنِ والألم؛ فالموت مصيبةٌ، وما أعظمَ القلبَ الشّجيّ الّذي يستسلِم ساعتئذٍ للصَّبرِ الجميل، ويستودِع ميِّتَه وفقيدَه لله عزّ وجلّ، ويعلم أنّ ما أصابَه لم يكن إلّا من الله تعالى؛ فيصبِرُ على ما أصابَه، ومن يؤمن بالله يهدأ قلبَه.




الوَحشة الّتي تسكنُ في حياةِ الأناسِ الفاقِدينَ لأحبّتهم وحشةٌ عظيمة، تظهرُ على وجوههم بحرقةِ الدّموع، وكأنّ احمرار عيونِهم كشعلةِ الشّموع، وذلِك من وجدِ ما وجدوا من حسرتِهم على حبيبهم الرّاحِل، وألمِهم القاسِي، وحالَتُهم التي لا يُحسَدون عليها أبداً؛ وهنيئاً لمن يُبشّرهم بالخيرِ وقتئذٍ ويبتَسِم في وجوهِهم مُهدّئِاً لهم جوفَ آلامِهم وحُرقتِهم؛ فيرتاحون ويصبِرون.




إنّ الموت في هذهِ الأيّام أصبحَ مألوفاً للقلوبِ لربّما للحالةِ الّتي تعتري العالمَ من اجتياح الوباء؛ ولكنّ الموتَ يبقى مؤلماً أيّما كان، لذلك على الإنسان المستقيم أن يصبِر على الفقدِ ممّن يموت من أحِبّته، ويُوكّل أمرّه إلى مولاه، فالصَّابِر اليوم هو الّذي أوّلَ ما يأتيه نعيُ أحدِهم يسترجِع ويُفوّض كلّ ما ملكَ من أمرِه إلى ربّه.




الصّبر على الموتِ من أعظمِ الأخلاقِ الفاضلات، وإنّما الصّبر عند الصّدمة الأولى، والصّبر الجميل الّذي يتبعُه اللّطف الجليل؛ فيستنيرُ القلبُ بالحبّ لله عزّ وجلّ، ويُسلّم كلّ ما في دُنياهُ لله، ويحتسِب من ماتَ من أحبابِه لمولاه، وهنا تتجلّى عظمة الصّبر عند الموت، وخاصّة إذا كان الميّت عزيزاً جدَّاً على القلبِ، فعندها تكون منزلةُ الصّبر أعظم لمن كان موتُه على القلبِ أشدّ.




الصّبر هنا هو من أعظمِ أنواعِ الصّبر، هو ذاك الّذي يتجلّى فيه مقدار قوّة إيمان العبد بالله تعالى، فيركنُ إلى ركن الله الشّديد، ويستعينُ بالله على الصّبر في تلك السّاعة؛ فيستسلِمُ بكلّ رضاً وأمان، ويستحِبّ له الدّعاءُ للميّت وقتئذٍ؛ ويُحيي في القلبِ ذكرى فقيدِه كلّ حين بالدّعاء، وإن كان البُكاءُ سيستولي على العينين، ولكنّ الشّوق سيُقضى في جنّة ربّ العالِمين.




الصّبر والرّضا قرينانِ لا ينفكّانِ في حالةِ موتِ أيّ إنسان.




الصّبر على الموتِ، جُرعةٌ ربّانيّة تأتي قبلَ الفَوت.




الصّبر مغزاهُ عظيمٌ؛ خاصّة في حالاتِ الفقدِ؛ فعندها يُكشَف سِتار الصَّابِر المُحتسِب.




الصّبر بالله تعالى، جليلٌ في ساعةِ الموتِ والبلوى.




الصّبر على موتِ الأحِبّة، وإن كان في فحواهُ أليماً وصعباً؛ لكنّما فضلُه وأجره عند الله تعالى جسيمٌ.




الصّبر الحقيقيّ هو صبرٌ للمؤمن القويّ عند موتِ حبيبٍ قريب.




الصّبر في ساعةِ الموتِ، لهو من أزكى الأعمالِ عند الله عزّ وجلّ.




الصّبر الجميل هو الصّبر الّذي يحتويه رضاً أصيل لله ربّ العالمين.




الصّبر على موت عزيز فقيد؛ وإن كان أليماً شديداً؛ إلّا أنّ له أجراً مبروراً لصاحِب الخُلقِ والدّين يجعلُه سعيداً في الآخرة.




هنيئاً لمن صبرَ ساعةَ الصّبر ولم يضجِر ولم يقنطْ.




ولله درّ من صبرَ وتصبّر واصطبرَ وجعلَ الاصطبارَ خير انتصار له.




الموتُ لا يحتاجُ إلّا صبراً عميقاً من ذي قلبٍ سليمٍ رقيق.




الصّبر دون جزعٍ، كحبٍّ دونَ وجع.




الصّبر على الموت لا يقدرُ عليه إلّا الإنسان الّذي يتشبّع قلبُه بالإيمان، وإنّ القابِض على إيمانه حينها كالقابِض على الجمر.




الصّبر كالجمرِ، وإن كان الإمساكُ به أليماً، ولكنّه نجاةٌ من المولى الكريم.




الموتُ صرخةٌ تُدوّي في أعماقِ القلبِ، والصّبر تهدِئة روحيّة تأتي كهديّة ربّانيّة تُطمئِن الرّوح.




الموتُ قاسٍ، والصّبر لا يحتملِه إلّا من كانَ قلبُه يحتمِل القسوةَ الأشدّ.




خواطِر في الصّبر على الموت



اصبِرْ يا أُخيّ، فبالصّبر نجاةُ حياتِك، اصبِرْ ولا تقنطْ من رحمةِ ربّك؛ ألم تعلمْ أنّ أمرَ المؤمن كلّه خيرٌ، إن أصابته ضرّاءَ صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له، وليسَ ذلِك إلّا للمؤمن، ووقتها يا أُخيّ تحلّ اللّطائِف النَّديّة من ربّ البشريّة، فتجعلُ القلبَ مرتاحاً، فينسَى الوجعَ والألمَ وكلّ الأتراح، ويبتسِم بكلّ حبٍّ رضاً بقضاءِ الله مولاه؛ فتغدو حياتُه بحزنِه أفراحاً، لله درّ القلبِ الصَّابِر المُجاهد على بلوى الجِراح.




الصّبرَ الصّبرَ، عليكَ بالصّبر يا صاحِبي ولا تيأسْ من غصّة الصّبر؛ فإنّ الصّبر له عظيم الأجر، ومن يصبِر يُصبّره ربّه؛ فيطمئنّ قلبُه، ويستنيرُ بالرّضا والسّرور دربُه، لله صلاحُه من صابِر، ولله درّه من مثابِر، والصّبر نِعمةٌ من الله عظيمةٌ، لا يُرزقها إلّا المُؤمن المُستقيم، الّذي هو دائمُ استحضار الذّكر لربّه، ولا يعيشُ يا صاحبي في غفلةٍ عمياءَ، إذ إنّ من يعيشُ في الغفلةِ عندما يأتي الموت يستسلِم ويجزع ولا يصبِر بل يسخط، وتغدو حياتُه بموتِ فقيدِه جحيماً، أمّا الّذي هو دائمُ التعلّق بربّه؛ فعندما تُصيبه مصيبةٌ يكون قويَّاً في تلك المصيبة؛ لأنّه لم ينسَ أنّ الموتَ عاقبةٌ لا بُدّ منها؛ فيصبِر بشدّة ويكونُ نِعم العبدُ إنّه أوّاب.