غسّان كنفاني

غسَّان كنفاني أحد أهمّ أُدباء فلسطين في القرن المُنصرم، وهو من الذينَ حملوا على عاتِقهم مقاومة المُحتلّ بِقلِمه وفِكره؛ لأنّه يعلم عِلم اليقين بأنَّ المُحتلّ يُرعِبه القلم الثّائر أكثر مِن الرّصاص، وكلماته التي تركها لَها أجنحة تُحلِّق في كُلِّ زمانٍ ومَكان، لِتَحكي لكلِّ الكَون حِكايَة فِلسطين، والعاشِق الثّائر غسّان.


أجمَل ما قِيلَ عَن غسَّان كَنَفانِي



إنَّهُ لا يَستَطيع أن يَحتمِلَ خُدلانَاً جَديداً، وَلَو كانَ خُذلانَاً تافِهاً. 




نَعَم أتغيَّر، ولَو قُلتُ فِي الأربَعين مَا كُنتُ أرَدِّدهُ بِالعِشرين؛ فَمَعناهُ أنَّ عِشرينَ سَنةً مِن عُمري ضَاعَت سُدى.




ولكِنَّني لَم أكُن لأعرِف، ولَقَد عَرَفتُ فَقَط أنَّ شَيئاً مَا فِي دَاخِلي مِثلَ جِسر يَستَندُ عَليهِ بِناء قَد انكَسَر.




ألَستَ تَرى أنَّ التَشاؤم هُو الشَّجاعة؟ ألستَ تَرى أنَّ التَفاؤل هُو كَذِبٌ وَهُروبٌ وَجُبن؟ أنتَ تَعرِف أنَّ الحَياةَ قَميئَة وَسيِّئة، فلِماذا تُواصِل الأمَلَ بِها؟




يا وَلَدِي المِسكين، أكانَ مِنَ الضَّروري أن تَرتَطِم بِالعَالَم عَلى هَذِه الصُّورَة الفَاجِعة؟ 




رُبَّما يَكون قَد أمضَى حَياتَه جاهِلاً تَعِساً، ولكنَّه قَد تَعلَّم أخيراً دَرسَاً صَغيراً واحداً بَسيطاً، وَلكِنَّه أساسي لِلغَاية: إذا أرَدتَ أن تَحصُل عَلى شَيءٍ مَا، فَخُذهُ بِذِراعَيكَ، وَكَفَّيك، وأصَابِعِك.




عَلَيكَ أن تَبنِي فِي نَفسِك رَجُلاً، لا يَحتاج في اليَوم الصَّعبِ إلى مَلجَأ.




في الوَقتِ الذي كَانَ يُناضِل فِيهِ بَعضُ النَّاس وَيتفَرَّج بَعضٌ آخَر كَانَ هُناكَ بَعضَاً أخيراً يَقوم بِدورِ الخَائِن.  




الإنسَان فِي نِهايَةِ الأمر قَضيَّة.




وكُنتُ أَغسِل كَآبَتي الكََبيرة في فِنجَانِ القَهوَة الصّغير. 




حَياتِي جَميعَها كَانَت سِلسِلة مِنَ الرّفض، ولِذَلك استَطعْتُ أن أعيش، ولَقَد رَفَضتُ المَدرَسَة، وَرَفَضْتُ الثّروَة، وَرفضْتُ الخضُوعَ، وَرَفَضت القبول بِالأشْياء.




لَقَد رَأيتُه ينزف حَياته بِعينَي، وكانوا يَحمِلونَه مَلفوفاً بِمعطَفينِ مُلوَّثين فَوقَ الدَّرَج، وَأخَذتُ ذِراعَه المُتدَلّية بَين الرِّجال عَاريَةً صَفراء تَهتَزُّ جِيئةً وَذَهاباً كَأنَّها تَدعونِي إلى اللَّحاقِ بِِه، فارتَقيتُ الدَّرج وأنا أنشج بَينَ خُطواتِ الرِّجالِ الثَّقيلةِ الثَّابِتة. 




بَدَتْ لِي حَياتي صُدفةً فَارِغةً لَمْ يَكُنْ لَها أيُّ مَعنىً، وَأنَّ أخطَاءَ العَالَم كُلّها تَلتَقي عِندي. 




لَن تَستَطيعي أن تَجِدي الشَّمس في غُرفَةٍ مُغلَقة. 




كَم هي قَاسيَة وَمُؤلِمة اللَّحظة التي يُريدُ أن يَبكي فِيها الإنسان، ورُغمَ ذلِك، فَهوَ لا يَستَطيع.




الصَّمت أفضَل مِنَ النِّقاش مَع شَخصٍ تُدرِك جَيِّداً أنَّه سَيَتخِذ مِن الاختِلافِ مَعَك حَربَاً لا مُحاوَلة فَهم.




الإنسَان يَعيش سِتِّين سَنةً فِي الغَالِب، ألَيسَ كَذلِك! يَقضِي نِصفَهَا في النَّوم، وبَقي ثَلاثونَ سَنة اطرَح عَشرَ سَنواتٍ مَا بَين مَرضٍ، وَسَفرٍ، وأكلٍ، وَفَراغ، بَقيَ عِشرون! إنَّ نِصفَ هذِه العِشرين قَد مَضَت مَع طُفولةٍ حَمقَاء، وَمَدارِس ابتدائيَّة، لقَد بَقِيَت عَشرُ سَنوات، عَشرُ سَنواتٍ فَقَط! ألَيسَت هَذِه جَديرةً بِأن يَعِيشها الإنسان بطمأنينة.




أجمَل مَا قِيلَ عَن غسَّان كَنَفاني في الحُبّ



الحُبّ وَحدَه لا يَستَطيع مَهما بَلَغت حَرارته، أن يَخبِز رَغِيفاً وَاحداً. 




هَل هُناك مَا هو أكثَر رُعبَاً في حَياة إنسان كَان يُخبِّئ الحُبَّ في جيبه، كسِلاحٍ أخير للدِّفاع عَن نَفسِه؟




هَل لَديكَ حَبيب؟ لا، لِمَن تَكتُب؟ لِنفسي، لِنفسِك كَلامَ حُّب؟! نَفسِي تَستَحِقّ الحُبَّ أكثَر مِمَّا يَفعَلون.




لا تَتَعلّق بِشخصٍ لا يَكتُب لَك، ولا يُزاحِم يَوْمَك، ولَا يَقْرأ ما بِك، ولا يَحفَظ أهَمَّ تَواريخِك، ولا يَملأ حَياتَك بِالمُفاجَآت.




المَرأة تُوجَد مَرَّةً واحِدَة في عُمرِ الرَّجُل، وكَذلِك الرَّجُل في عُمرِ المَرأة، وَعدا ذَلِك لَيسَ إلَّا مُحَاوَلاتٌ للتَّعوِيض.




وَحِين أكتُب لَيسَ ثَمَّة قَارئٌ غَيرَكِ.




نَزَلتُ عَلى رِسالَتكِ كَما المَطر عَلى أرضٍ اعتَصَرها اليَباس، فمِثلكِ لا شَيء، ومَكانَك لا يُملأ، وكَلِماتُكِ وَحدَها التي لَها صَوتٌ يَغطِس إلى أعمَاقي، وأراكِ دائِمَاً أمَامي، وأشتاقُكِ، وأُعذِّب نَفسي بِأن أُحاوِل نِسيانَكِ، فأغرِسَكِ أكثر في تُربَةٍ صَارَت كَالحُقولِ التي يَزرَعونَ فِيها الحَشيش: لا تَقبَل زَرعاً غَيرَه إلَّا "عبَّاد الشَّمس" وأنا لَن أُنهِ حَياتِي عبَّاداً لِلشَّمس.




كَيف لَم أتمسَّك بِكِ؟ كَيفَ تَركتُكِ؟ يا هوائي وَيا خُبزي وَنَهارِي الضَّحوك تَمضِين؟




كَانَت لَيلى تَطلُب مِنِّي ألّا أنظُرَ إليها عِندما تَنام، وكَانَت تَعتقَد أنَّ تَقاطِيعَ وَجهِها تَكون صَّادِقَة عِندَما تَفقِد التَحكُّم بِها، وَهيَ لا تُريد أن أعرِف شُعورَها الحَقيقي اتجاهِي، وتَخافُ أن أُصبِحَ مَغروراً.




مَا أعرِفُه أنَّني سَأظلُّ أكتبُ لَكِ، وَستظلِّينَ بَعيدَة.




اخسَر مَا شِئت، ولَكِن إيَّاكَ أن تَخسَرَ قَلبَاً يُحاوِل أن يَفعَلَ الكَثيرَ ليُسعِدَك، فَهُناك قُلوب لا تُعوَّض أبَداً.




وَلكِنَّني مُتأكِّدٌ مِن شَيءٍ واحِد عَلَى الأقل، وهو قِيمَتكِ عِندي، وأنَا لَم أفقِد صَوابي بِكِ بَعد، ولِذلِك فَأنا الّذي أعرِف كَم أنتِ أذكَى، وَأنبَل، وَأجمَل.




أمَّا أنتِ فَقَد دَخَلتِ إلى عُروقِي وَانتَهى الأمر، إنَّه لَمِنَ الصَّعب أن أُشفَى مِنكِ. 




كُلُّ مَا بِداخِلي يَندفِعُ لكِ بِشرَاهّة، ولكِنّ مَظهَري ثَابِت.




أنا مِن شَعبٍ يَشتَعِلُ حُبَّاً، وَيَزهو بِأوسِمةِ الأقحُوان وَشقائِقِ النُّعمان عَلى صَدرِه وَحَرفِه، وَلَن أدَعَ أحَدَاً يَسلِبُني حَقِّي في صِدقِي.




يَا حَبيبَتي الشَقيَّة، مَا الذي يَبقَى؟ مَا قِيمَتي الآن دُونَكِ، وَمَا نَفعُ هذا الضَّياع وَنفعُ هذه الغُربة؟ لَم يَكُن أمَامَنا مُنذُ البِدء إلَّا أن نَستَسلِمَ لِلعِلاقَة أو لِلبَتر، وَلكِنَّنا اختَرنا العِلاقَة بإصرَارِ إنسانَين يَعرِفانِ مَا يُريدَانِه، ولَقَد استَسلَمنا لِلعِلاقَة بِصورَتِها الفاجِعَة وَالحُلوَة، وَمصيرُها المُعتِم وَالمُضيء، وتَبادَلنا خَطأ الجُّبن، أمَّا أنا فَقَد كُنتُ جَبانَاً في سَبيلِ غَيري، ولَم أكُن أُريدُ أن أطوِّح بِالفضاءِ بِطفلَينِ وامرَأة لَم يُسيئوا إليَّ قَطّ مِثلَما طَوَّحَ بِي العَالَم القَاسي قَبلَ عِشرينَ عَاماً، أمَّا أنتِ فَقَد كَانَ مَا يَهُمّكِ هو نَفسَكِ فَقَط، وكُنتِ خَائِفةً عَلى مَصيركِ، وَكُنتُ خَائِفاً عَلى مَصيرِ غَيرِي، وَقَد أدَّى الارتِطامُ إلى فَجيعةٍ لا هِيَ عِلاقَة وَلا هِيَ بَتر، أتَعتَقِدينَ أنَّنا كُنَّا أكثَرَ عَذابَاً لَو استَسلَمنا لِلقَطيعة، أو لَو استَسلَمنَا لِلعَلاقة؟.




لِنَجعَلَ مِن نَفسينا مَعاً شَيئاً أكثَر بَساطَةً ويُسراً، ولِنَضَع ذِراعَينَا مَعاً، وَنَصنَع مِنهَا قَوسَاً بَسيطاً فَوقَ التَّعقِيداتِ الَّتي نَعيشُها وَتَستَفِزُّنا، ولِنُحاوِل ذَلِكَ عَلَى الأقَل، أنتِ عِندي أروع مِن غَضَبكِ، وَحُزنكِ، وَقَطيعَتك.




أنتِ عِندي شَيءٌ يُستَعصَي على النِّسيان، وأنتِ نَبيَّة هَذا الظَّلام الذي أغرقَتنِي أغوَارَه البَارِدَة المُوحِشَة، وأنا لا أحِبّكِ فَقَط، وَلكِنَّني أؤمِن بِكِ مِثلَما كَانَ الفارِس الجاهلِيّ يُؤمِن بِكأسِ النِّهاية يَشرَبَهُ وَهوَ يَنزِف حَياتَه، بَل سأضَعه لَكِ كَمَا يَلي، وأؤمِن بِكِ كِما يُؤمِن الأصيلُ بِالوَطَن، وَالتَقيُّ بِالله، وَالصُوفِيّ بِالغَيب.




إنَّني أتّقِد مِثلَ كَهفٍ مُغلَق مِن الكِبريت، وَأمَام عَينَيّ تتساقطُ النِّساء كأنَّ أعناقَهُنَّ بُتِرَت بِحاجبيكِ.




أنا أعرِف أنَّها تُحبُّني، لا لَيسَ كَما أحِبُّها، ولَكِنَّها تُحبُني، وإنَّها تَهرُب مِنّي فِي وَقتٍ لا أكُفُّ فِيهِ عَن الاندِفاعِ نَحوَها، وأنَا أعرِف أنَّ الحَياةَ قَد خَدَشتها بِما فِيهِ الكِفايَة لِترفُض مَزيدَاً مِنَ الأخداش، وَلكِن لِماذا يَتعيّن عَليّ أنا أن أدفَعَ الثَّمن؟